الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ أثر اللوث في التشريع ] وللوث تأثير في الدماء والحدود والأموال : أما الدماء ففي القسامة ، وأما الحدود ففي اللعان ، وأما الأموال ففي قصة الوصية في السفر ; فإن الله تعالى حكم بأنه إن اطلع على أن الشاهدين والوصيين ظلما وغدرا أن يحلف اثنان من الورثة على استحقاقهما ، ويقضي لهم ، وهذا هو الحكم الذي لا حكم غيره ; فإن اللوث إذا أثر في إراقة الدماء وإزهاق النفوس وفي الحدود فلأن يعمل به في المال بطريق الأولى والأحرى ، وقد حكم به نبي الله سليمان بن داود في النسب مع اعتراف المرأة أنه ليس بولدها ، بل هو ولد الأخرى ، فقال لها : " هو ابنك " ومن تراجم النسائي على قصته : " التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل كذا ليستبين به الحق " ثم ترجم عليه ترجمة أخرى فقال : " الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به " وهذا هو العلم استنباطا [ ص: 283 ] ودليلا ، ثم ترجم عليه ترجمة ثالثة فقال : " نقض الحاكم ما حكم به من هو مثله أو أجل منه " .

قلت : وفيه رد لقول من قال : يكون بينهما ، إجراء للنسب مجرى المال ، وفيه أن حكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن ، وفيه نوع لطيف شريف عجيب من أنواع العلم النافع ، وهو الاستدلال بقدر الله على شرعه ; فإن سليمان عليه السلام استدل بما قدره الله وخلقه في قلب الصغرى من الرحمة والشفقة بحيث أبت أن يشق الولد ، على أنه ابنها ، وقوى هذا الاستدلال رضا الأخرى بأن يشق الولد ، وقالت : نعم شقه ، وهذا قول لا يصدر من أم ، وإنما يصدر من حاسد يريد أن يتأسى بصاحب النعمة في زوالها عنه كما زالت عنه هو ، ولا أحسن من هذا الحكم وهذا الفهم ، وإذا لم يكن مثل هذا في الحاكم أضاع حقوق الناس ، وهذه الشريعة الكاملة طافحة بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية