الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  229 ( باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب في بيان حكم غسل المني أو غيره ، ولم يذهب أثره ، ومراده أن الأثر إذا كان باقيا لا يضره ، وقال بعضهم : الأثر أثر الشيء المغسول ، وفيه نظر ; لأن على قوله يكون الباقي أثر المني ، ونحوه ، وهذا يضره ، بل المراد الأثر المرئي للماء لا للمني ، ولفظ حديث الباب يدل على هذا ، وهو قوله : " وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء " ، قوله : " أو غيرها " ، أي : غير الجنابة ، نحو دم الحيض ، ولم يذكر في الباب حديثا يدل على هذه الترجمة ، وقال بعضهم : وذكر في الباب حديث الجنابة ، وألحق غيرها قياسا ، وأشار بذلك إلى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : " أن خولة بنت يسار قالت : يا رسول الله ، ليس لي إلا ثوب واحد ، وأنا أحيض ، فكيف أصنع ؟ قال : إذا طهرت فاغسليه ، قالت : فإن لم يخرج الدم ؟ قال : يكفيك الماء ، ولا يضرك أثره " انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : البخاري يذكر مسألة ، ثم يقيس عليها غيرها ، أو يسرد حديثا في باب مترجم دالا على الترجمة ، ولا فائدة في ذكر ترجمة بدون ذكر حديث موافق لها ، مشتمل عليها ، ولم نعرف ما مراده من هذا القياس ، هل هو لغوي ، أو اصطلاحي شرعي ، أو منطقي ، وما هذا إلا قياس [ ص: 149 ] فاسد ، وأيضا من أين عرفنا أنه أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود ، ومن أين عرفنا أنه وقف على هذا ، أو لم يقف ، ولكن كل ذلك تخمين بتخبيط ، قوله : " فلم يذهب أثره " ، الفاء فيه للعطف لا للجزاء ، لقوله : " إذا غسل " ; لأن جزاءه محذوف تقديره : صح صلاته أو نحو ذلك ، والضمير في أثره يرجع إلى كل واحد من غسل الجنابة ، وغيرها ، وقال الكرماني : فلم يذهب أثره أي أثر الغسل ، وقال بعضهم : وأعاد الضمير مذكرا على المعنى ، أي : فلم يذهب أثر الشيء المغسول ، قلت : كلام الكرماني أوجه ; لأن المعنى على أن بقاء أثر الغسل لا يضر ، لإبقاء المغسول ، اللهم إلا إذا عسر إزالة أثر المغسول ، فلا يضر حينئذ للحرج ، وهو مدفوع شرعا ، وقال الكرماني في بعض النسخ : أثرها أي أثر الجنابة ، قلت : إن صحت هذه النسخة فلا حاجة إلى التأويل المذكور ، ولكن تفسيره بقوله : أي أثر الجنابة يرجع إلى تفسير القائل المذكور ، وفساده ظاهر .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية