الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2458 باب إذا وهب هبة أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب يذكر فيه إذا وهب الرجل هبة لآخر أو وعد لآخر ، وفي رواية الكشميهني " أو وعد عدة ثم مات " ; أي الذي وهب أو الذي وعد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قبل أن تصل ) ; أي الهبة أو العدة إليه ، أي إلى الموهوب له أو الموعود له ، ويجوز أن يكون الضمير في " مات " راجعا إلى الذي وهب له أو وعد له ، أي أو مات الذي وهب له أو مات الذي وعد له قبل أن يصل ما وهب له إليه ، أو مات قبل أن يصل ما وعد له إليه . وجواب " إذا " محذوف لم يظهره لأجل الخلاف فيه ، بيان ذلك أن الترجمة مشتملة على شيئين ; أحدهما الهبة ، والآخر الوعد .

                                                                                                                                                                                  أما الهبة فالشرط فيها القبض عند أكثر الفقهاء والتابعين وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، إلا أن أحمد يقول : إن كانت الهبة عينا تصح بدون القبض في الأصح ، وفي المكيل والموزون لا تصح بدون القبض . وعند مالك يثبت الملك فيها قبل القبض اعتبارا بالبيع ، وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وفي كتاب التفريع لأصحاب مالك : ومن وهب شيئا من ماله لزمه دفعه إلى الموهوب له إذا طالبه به ، فإن أبى ذلك حكم به عليه إذا أقر وقامت عليه البينة ، وإن أنكر حلف عليها وبرئ منها ، وإن نكل عن اليمين حلف الموهوب له فيأخذها منه ، وإن مات الواهب قبل دفعها إلى الموهوب له فلا شيء له إذا كان قد أمكنه أخذها ففرط فيها ، وإن مات الموهوب له قبل قبضها قام ورثته مقامه في مطالبة الواهب بهبته ، واستدل أصحابنا وأصحاب الشافعي في اشتراط القبض بحديث عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جداد عشرين وسقا ... الحديث ، ذكرناه عن قريب ، واستدل صاحب الهداية في ذلك بقوله : ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا تجوز الهبة إلا مقبوضة " . قلت : هذا حديث منكر لا أصل له ، بل هو من قول إبراهيم النخعي ، رواه عبد الرزاق في مصنفه وقال : أخبرنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : لا تجوز الهبة حتى تقبض ، والصدقة تجوز قبل أن تقبض .

                                                                                                                                                                                  وأما الوعد فاختلف الفقهاء فيه ; فقال أبو حنيفة والشافعي والأوزاعي : لا يلزم من العدة لأنها منافع لم تقبض ، فلصاحبها الرجوع فيها . وقال مالك : أما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له هبة فيقول نعم ، ثم يبدو له أن لا يفعل ، فلا أرى ذلك يلزمه . قال : ولو كان في قضاء دين فسأله أن يقضي عنه فقال نعم وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان . وقال سحنون : الذي يلزمه في العدة في السلف والعارية أن يقول لرجل اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنيها به ، أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك ، أو اشتر سلعة كذا ، أو تزوج وأنا أسلفك ; كل ذلك مما يدخله فيه ويتشبه به ، فهذا كله يلزمه ، وأما أن يقول أنا أسلفك أو أعطيك فليس بشيء . وقال أصبغ : يلزمه في ذلك ما وعد به .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية