الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في التودد إلى الناس وأنه مستحسن شرعا وطبعا .

قال في الآداب الكبرى : ويجب كف يده وفمه وفرجه وبقية أعضائه عما يحرم ويسن عما يكره . قال الإمام ابن الجوزي : هذا فيمن لم يضطر إلى ذلك وإلا جاز . قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم . قال ومتى قدر أن لا يظهر موافقتهم لم يجز له ذلك .

قال ابن الجوزي : وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرم ولا فيه كلام ، وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة ، وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها { أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس رجل العشيرة ، فلما دخل ألان له القول . قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له القول ، ؟ قال يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه } . قال في شرح مسلم : فيه مداراة من يتقي فحشه ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه ولا في قفاه إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام .

وقيل للإمام العلامة ابن عقيل كما في الفنون : اسمع وصية الله عز وجل يقول { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا فكيف لي بطاعة الله [ ص: 209 ] تعالى والتخلص من النفاق ؟ فقال النفاق هو إظهار الجميل وإبطان القبيح وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر ، والذي تضمنته الآية إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن .

قال في الآداب : فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الحسن لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر فليس بمنافق لكنه يستصلح ، ألا تسمع إلى قوله تعالى { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } فهذا اكتساب استمالة ودفع عداوة وإطفاء لنيران الحقائد ، واستنماء الود وإصلاح العقائد . فهذا طلب المودات واكتساب الرجال .

وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء مرفوعا { حبك للشيء يعمي ويصم } ، ورواه الإمام أحمد .

وأخرج الترمذي عن أبي هريرة رفعه { أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما } قال في الآداب : إسناده ضعيف . وقد روي عن علي رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا والصحيح وقفه .

وأنشد بعضهم :

وأبغض بغيضك بغضا رويدا إذا أنت حاولت أن تحكما     وأحبب حبيبك حبا رويدا
فليس يغولك أن تصرما

وقال آخر :

وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا     فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا     فإنك لا تدري متى أنت راجع

( تتمة ) التودد إلى الناس مطلوب شرعا مستحسن طبعا . قال تعالى { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } وقال { ادفع بالتي هي أحسن } .

وأخرج الطبراني وغيره عن أبي هريرة مرفوعا { أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس } . وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا { الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة ، والتودد إلى الناس نصف العقل ، وحسن السؤال نصف العلم } . [ ص: 210 ] وفي الآداب الكبرى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مداراة الناس صدقة } إسناده فيه لين والأولين ضعيف

. وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى :

ما دمت حيا فدار الناس كلهمو     فإنما أنت في دار المداراة
من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى     عما قليل نديما للندامات

وقال زهير : ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم والمنسم الرجل استعارة ، وهو في الأصل للدواب .

وقال آخر :

أداريهمو ما دمت حيا بدارهم     وأرضيهمو ما دمت في أرضهم أسعى
وأطلب بالإخلاص لله منهمو     خلاصا فكانوا كيف قلبتهم أفعى

وفي لامية ابن الوردي :

دار جار الدار إن جار وإن     لم تجد صبرا فما أحلى النقل

وقال محمد بن أبي سعيد بن شرف القيرواني رحمه الله تعالى :

إن ترم من أحجارهم     مطلبا بثأرهم
يا ثاويا في معشر     وأنت في أحجارهم
أو تكو من شرارهم     على يدي شرارهم
فما بقيت جارهم     ففي هواهم جارهم
وأرضهم في أرضهم     ودارهم في دارهم

وله أيضا :

إن تلقك الغربة في معشر     قد جبل الطبع على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم     وأرضهم ما دمت في أرضهم

وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا { أمرت بمداراة الناس كما أمرت بتأدية الفرائض } والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية