الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 63 ] الفصل الأول

في بيان اختلاف علماء القراءة واللغة في عدد مخارج الحروف

اختلف علماء القراءة واللغة في عدد المخارج على ثلاثة مذاهب:

الأول: مذهب سيبويه ومن تبعه كالإمامين الجليلين الشاطبي وابن بري - رضي الله عنهما - ومخارج الحروف عند هؤلاء ستة عشر مخرجا، فقد أسقطوا مخرج الجوف الذي هو مخرج حروف المد الثلاثة، ووزعوا حروفه على مخارج الحلق واللسان والشفتين، فجعلوا مخرج "الألف" من أقصى الحلق مع الهمزة، و"الياء" من وسط اللسان مع الياء المتحركة أو الساكنة بعد فتح، و"الواو" من الشفتين مع الواو المتحركة أو الساكنة بعد فتح كذلك.

الثاني: مذهب الفراء والجرمي وقطرب وابن كيسان ومن تبعهم، وعدد المخارج عندهم أربعة عشر مخرجا، فقد أسقطوا مخرج الجوف، ووزعوا حروفه كما تقدم في مذهب سيبويه وموافقيه، ثم جعلوا مخرج اللام والنون والراء مخرجا واحدا وهو طرف اللسان مع ما يحاذيه، ويعم المخارج على هذين المذهبين أربعة مخارج عامة، وهي الحلق واللسان والشفتان والخيشوم، ففي الحلق ثلاثة مخارج، وفي اللسان عشرة على المذهب الأول، وثمانية على المذهب الثاني، وفي الشفتين مخرجان، وفي الخيشوم واحد.

الثالث: مذهب الخليل بن أحمد شيخ سيبويه ومن تبعه من المحققين كالحافظ ابن الجزري وغيره، وعدد المخارج عند أصحاب هذا المذهب سبعة عشر مخرجا، فقد أثبتوا مخرج الجوف في مكانه، وجعلوا حروف المد فيه ثابتة لم توزع كما وزعت فيما سبق، وكذلك أثبتوا لكل من اللام والنون والراء مخرجا، سيأتي بيان كل منها في محله من الباب.

والمختار من هذه المذاهب الثلاثة هو مذهب الخليل بن أحمد ، وهو الذي عليه الجمهور، واختاره الحافظ ابن الجزري [ ص: 64 ] وإليه أشار في المقدمة الجزرية والطيبة بقوله رحمه الله:


مخارج الحروف سبعة عشر على الذي يختاره من اختبر

اهـ

هذا: وتنحصر المخارج على هذا المذهب في خمسة مخارج عامة وهي:

الجوف والحلق واللسان والشفتان والخيشوم، فيخرج من الجوف مخرج واحد، ومن الحلق ثلاثة، ومن اللسان عشرة، ومن الشفتين اثنان، ومن الخيشوم واحد.

ثم إن حصر المخارج فيما تقدم ذكره إنما هو على وجه التقريب، وإلا فالتحقيق أن لكل حرف مخرجا خاصا به، يخالف مخرج الآخر، وإلا لكان إياه.

وفي هذا المعنى يقول العلامة ابن عبد الرزاق في تذكرة القراء رحمه الله:


والحصر تقريب وبالحقيقه     لكل حرف بقعة دقيقه
إذ قال جمهور الورى ما نصه     لكل حرف مخرج يخصه



التالي السابق


الخدمات العلمية