الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب في الهمز المفرد

                                                          وهو يأتي على ضربين : ساكن ، ومتحرك ، ويقع فاء من الفعل وعينا ولاما .

                                                          ( فالضرب الأول ) الساكن ، ويأتي باعتبار حركة ما قبله على ثلاثة أقسام : مضموم ما قبله نحو ( يؤمنون ، و رؤيا ، و مؤتفكة ، و لؤلؤ ، و يسؤكم ، و يقول ائذن لي ) ومكسور نحو ( بئس ، و جئت ، و شئت ، و روحا ، و نبئ ، و الذي ائتمن ) ومفتوح نحو ( فأتوهن ، فأذنوا ، وآتوا ، وأمر أهلك ، و مأوى ، و اقرأ ، و إن يشأ ، و الهدى ائتنا ) فقرأ أبو جعفر جميع ذلك بإبدال الهمزة فيه حرف مد بحسب حركة ما قبله إن كانت ضمة فواو ، أو كسرة فياء ، أو فتحة فألف ، واستثنى من ذلك كلمتين ، وهما أنبئهم في البقرة و نبئهم في الحجر والقمر ، واختلف عنه في كلمة واحدة ، وهي نبئنا في يوسف . فروى عنه تحقيقها أبو طاهر بن سوار من روايتي ابن وردان وابن جماز جميعا . وروى الهذلي إبدالها من طريق [ ص: 391 ] الهاشمي عن ابن جماز ، وروى تحقيقها من طريق ابن شبيب ، عن ابن وردان ، وكذا أبو العز من طريق النهرواني عنه ، وإبدالها عنه من سائر طرقه ، وقطع له بالتحقيق الحافظ أبو العلاء ، وأطبق الخلاف عنه من الروايتين أبو بكر بن مهران ، وأجمع الرواة عنه على أنه إذا أبدل الهمزة واوا في ( رؤيا ، و الرؤيا ) وما جاء منه يقلب الواو ياء ، ويدغم الياء في الياء التي بعدها معاملة للعارض معاملة الأصلي ، وإذا أبدل ( تؤوي و تؤويه ) جمع بين الواوين مظهرا ، وسيأتي الكلام على رئيا وافقه ورش من طريق الأصبهاني على الإبدال في الباب كله ، واستثنى من ذلك خمسة أسماء وخمسة أفعال ، فالأسماء ( البأس و البأساء ، اللؤلؤ و لؤلؤ ) حيث وقع ( ورئيا ) في مريم و ( الكأس والرأس ) حيث وقعا ، والأفعال : جئت وما جاء منه ، نحو ( أجئتنا ، و جئناهم ، و جئتمونا ، و نبئ ) وما جاء من لفظه نحو ( أنبئهم ، ونبئهم ، و نبئ عبادي ، و نبأتكما ، و أم لم ينبأ ) وقرأت ، وما جاء منه نحو ( قرأناه ، و اقرأ ، وهيئ ، ويهيئ ، وتؤوي ، و تؤويه ) وهذا مما اتفق الرواة على استثنائه نصا وأداء ، وانفرد ابن مهران ، عن هبة الله فلم يستثن شيئا سوى ( ذرأنا و تبرأنا ) بخلاف ، فوهم في ذلك ، وكذلك الهذلي حيث لم يستثن الأفعال ، وانفرد الصفراوي باستثناء ( يشا ، ويسوهم ، ورويا ) فحكى فيها خلافا ، وأظنه أخذ ذلك من قول أبي معشر الطبري وليس ذلك كما فهم ، إذ قد نص أبو معشر على إبدالها وبابها ، ثم قال : والهمز أظهر - إن شاء الله - وهذا لا يقتضي أن يتحقق فيها سوى الإبدال ، والله أعلم .

                                                          وأما من طريق الأزرق ، فإنه يبدل الهمزة إذا وقعت فاء من الفعل نحو ( يومنون ، ويالمون ، وياخذ ، ومومن ، ولقانا ايت ، والموتفكات ) واستثنى من ذلك أصلا مطردا ، وهو ما جاء من باب الإيواء نحو ( تؤوي إليك ، و التي تؤويه ، و المأوى ، ومأويكم ، و فأووا ) ولم يبدل مما وقع عينا من الفعل سوى ( بيس ) كيف أتى و ( البير ، والذيب ) وحقق ما عدا ذلك ، واختلف عن أبي عمرو في إبدال الهمز الساكن على ما تقدم مبينا في أول باب الإدغام الكبير ، ونشير هنا إلى زيادة تتعين معرفتها ، وذلك أن الداني قال [ ص: 392 ] في " التيسير " : اعلم أن أبا عمرو كان إذا قرأ في الصلاة ، أو أدرج القراءة ، أو قرأ بالإدغام لم يهمز كل همزة ساكنة . انتهى . فخص استعمال ذلك بما إذا قرأ في الصلاة ، أو أدرج القراءة ، أو قرأ بالإدغام الكبير ، وقيده مكي وابن شريح ، والمهدوي ، وابن سفيان بما إذا أدرج القراءة ، أو قرأ في الصلاة ، وقال في " جامع البيان " : اختلف أصحاب اليزيدي عنه في الحال التي يستعمل ترك الهمز فيها ، فحكى أبو عمرو ، وعامر الموصلي ، وإبراهيم من رواية عبيد الله وأبو جعفر اليزيديون عنه ، أن أبا عمرو كان إذا قرأ فأدرج القراءة لم يهمز ما كانت الهمزة فيه مجزومة ، ثم قال : فدل على أنه إذا لم يسرع في قراءته واستعمل التحقيق همز . قال : وحكى أبو شعيب عنه ، أن أبا عمرو كان إذا قرأ في الصلاة لم يهمز ، ثم قال : فدل ذلك على أنه كان إذا قرأ في غير الصلاة - سواء استعمل الحدر أو التحقيق - همز .

                                                          قال : وحكى أبو عبد الرحمن ، وإبراهيم في رواية العباس وأبو حمدون وأبو خلاد ومحمد بن شجاع ، وأحمد بن حرب ، عن الدوري ، أن أبا عمرو كان إذا قرأ لم يهمز ، ثم قال : فدل قولهم أنه كان لا يهمز على كل حال في الصلاة أو غيرها ، وفي حدر أو تحقيق . انتهى .

                                                          والمقصود بالإدراج هو الإسراع ، وهو ضد التحقيق ، لا كما فهمه من لا فهم له من أن معناه الوصل الذي هو ضد الوقف ، وبنى على ذلك أن أبا عمرو إنما يبدل الهمز في الوصل فإذا وقف حقق ، وليس في ذلك نقل يتبع ولا قياس يستمع . وقال الحافظ أبو العلاء : وأما أبو عمرو فله مذهبان : أحدهما التحقيق مع الإظهار والتخفيف مع الإدغام على التعاقب ، والثاني التخفيف مع الإظهار وجه واحد . انتهى . وهذا صريح في عدم التحقيق مع الإدغام ، وأنه ليس بمذهب لأبي عمرو كما قدمنا بيان ذلك في أول الإدغام الكبير ، واعلم أن الأئمة من أهل الأداء أجمعوا عمن روى البدل عن أبي عمرو على استثناء خمس عشرة كلمة في خمسة وثلاثين موضعا تنحصر في خمس معان :

                                                          ( الأول ) الجزم ويأتي في ستة ألفاظ ، وهي ( يشاء ) في عشرة مواضع [ ص: 393 ] في النساء موضع ، وفي الأنعام ثلاثة مواضع ، وفي إبراهيم موضع ، وفي سبحان موضعان ، وفي فاطر موضع ، وفي الشورى موضعان ، ونشاء في ثلاثة مواضع في الشعراء وسبأ ويس ( وتسؤ ) في ثلاثة مواضع في آل عمران ، والمائدة ، والتوبة ( وننساها ) في البقرة ( ويهيئ لكم ) في الكهف ( و أم لم ينبأ ) في النجم .

                                                          ( والثاني الأمر ) وهو البناء له ، ويأتي في ستة ألفاظ أيضا ، وهي ( أنبئهم ) في البقرة و ( أرجه ) في الأعراف والشعراء ، و ( نبئنا ) في يوسف ، و ( نبئ عبادي ) في الحجر ، ( ونبئهم ) فيها أيضا وفي القمر ، و ( اقرأ ) في سبحان وموضعي العلق ( وهيئ لنا ) في الكهف .

                                                          ( الثالث ) الثقل ، وهو كلمة واحدة أتت في موضعين ( وتؤوي إليك ) في الأحزاب ( و تؤويه ) في المعارج ; لأنه لو ترك همزه لاجتمع واوان ، واجتماعهما أثقل من الهمز .

                                                          ( الرابع ) الاشتباه ، وهو موضع واحد ( ورئيا ) في مريم ; لأنه بالهمز من الرواء ، وهو المنظر الحسن ، فلو ترك همزه لاشتبه بري الشارب ، وهو امتلاؤه ، وانفرد عبد الباقي ، عن أبيه ، عن أبي الحسين السامري ، عن السوسي فيما ذكره صاحب " التجريد " بإبدال الهمزة فيها ياء ، فيجمع بين الياءين من غير إدغام ، كأحد وجهي حمزة في الوقف ، كما سيأتي ، وقياس ذلك ( تؤوي ، و تؤويه ) ولم يذكر فيه شيئا ، والله أعلم .

                                                          ( الخامس ) الخروج من لغة إلى أخرى ، وهو كلمة واحدة في موضعين ( مؤصدة ) في البلد ، والهمزة ; لأنه بالهمز من آصدت ، أي : أطبقت ، فلو ترك لخرج إلى لغة من هو عنده من أرصدت ، وانفرد عبد الباقي بن الحسن الخراساني ، عن زيد ، عن أصحابه ، عن اليزيدي فيما رواه الداني وابن الفحام الصقلي ، عن فارس بن أحمد ، وكذا أبو الصقر الدورقي ، عن زيد فيما رواه ابن مهران عنه بعدم استثناء شيء من ذلك ، وذلك في رواية الدوري من طريق ابن فرح ، فخالفا سائر الناس ، والله تعالى أعلم ، وانفرد أبو الحسن بن غلبون ومن تبعه بإبدال الهمزة من ( بارئكم ) في حرفي البقرة بإحالة قراءتها بالسكون لأبي عمرو ملحقا ذلك بالهمز الساكن المبدل ، وذلك غير مرضي ; لأن إسكان هذه الهمزة عارض [ ص: 394 ] تخفيفا ، فلا يعتد به . وإذا كان الساكن اللازم حالة الجزم والبناء لم يعتد به ، فهذا أولى وأيضا ، فلو اعتد بسكونها وأجريت مجرى اللازم كان إبدالها مخالفا أصل أبي عمرو ، وذلك أنه كان يشتبه بأن يكون من البرا وهو التراب ، وهو فقد همز " مؤصدة " ولم يخففها من أجل ذلك مع أصالة السكون فيها ، فإن الهمز في هذا أولى ، وهو الصواب ، والله أعلم .

                                                          وبقي أحرف وافقهم بعض القراء على إبدالها ، وخالف آخرون فهمزوها ، وهي ( الذئب ) في موضعي يوسف و ( اللؤلؤ ، ولؤلؤ ) معرفا ومنكرا ( والمؤتفكة ، والمؤتفكات ) حيث وقعا ( ورئيا ) في مريم ، و ( يأجوج ومأجوج ) في الكهف والأنبياء ( و ضيزى ) في النجم ، و ( مؤصدة ) في الموضعين ، أما ( الذئب ) فوافقهم على إبداله ورش والكسائي وخلف ، وأما ( اللؤلؤ ، و لؤلؤ ) فوافقهم على إبداله أبو بكر ، وأما ( والمؤتفكة والمؤتفكات ) فاختلف فيهما عن قالون . فروى أبو نشيط فيما قطع به ابن سوار ، والحافظ أبو العلاء وسبط الخياط في كفايته ، وغيرهم إبدال الهمزة منهما ، وكذا روى أبو بكر بن مهران ، عن الحسن بن العباس الجمال وغيره ، عن الحلواني ، وهو طريق الطبري والعلوي ، عن أصحابهما ، عن الحلواني ، وكذا روى الشحام عن قالون ، وهو الصحيح عن الحلواني ، وبه قطع له الداني في " المفردات " ، وقال في " الجامع " : وبذلك قرأت في روايته من طريق ابن أبي حماد وابن عبد الرزاق ، وغيرهما ، وبذلك آخذ .

                                                          قال : وقال لي أبو الفتح ، عن قراءته على عبد الله بن الحسين ، عن أصحابه ، عن الحلواني - يعني بالهمز - قال الداني : وهو وهم ; لأن الحلواني نص على ذلك في كتابه بغير همز . انتهى .

                                                          وروى الجمهور ، عن قالون بالهمز ، وهو الذي لم يذكر المغاربة والمصريون عنه سواه ، والوجهان عنه صحيحان ، بهما قرأت وبهما آخذ ، والله تعالى أعلم . وأما ( ورئيا ) فقرأه بتشديد الياء من غير همز أبو جعفر ، وقالون وابن ذكوان ، وانفرد هبة الله المفسر ، عن زيد ، عن الداجوني ، عن أصحابه ، عن هشام بذلك ، ورواه سائر الرواة عنه بالهمز وبذلك قرأ الباقون ، وأما يأجوج ومأجوج [ ص: 395 ] فقرأهما عاصم بالهمز ، وقرأهما الباقون بغير همز ، وأما ( ضيزى ) فقرأه بالهمز ابن كثير ، والباقون بغير همز ، وأما ( مؤصدة ) فقرأه بالهمز أبو عمرو ، ويعقوب وحمزة وخلف وحفص ، وقرأه الباقون بغير همز .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية