الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 292 ] ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قدم أبو مسلم من خراسان على السفاح بالعراق وذلك بعد استئذانه الخليفة في القدوم ، فكتب إليه أن يقدم في خمسمائة من الجند ، فكتب إليه : إني قد وترت الناس ، وإني أخشى من قلة الخمسمائة . فكتب إليه أن اقدم في ألف . فقدم في ثمانية آلاف فرقهم ، وأخذ معه من الأموال والتحف والهدايا شيئا كثيرا ، ولما قدم لم يكن معه سوى ألف من الجند ، فتلقاه القواد الكبراء إلى ظاهر البلد ، فلما دخل على السفاح أكرمه وعظمه واحترمه وأنزله قريبا منه ، وكان يأتي إلى الخدمة كل يوم ، واستأذن الخليفة في الحج ، فأذن له ، وقال : لولا أني كنت عينت إمرة الحج لأبي جعفر لأمرتك . وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم خرابا ، وذلك لما رأى من الجفوة منه حين قدم عليه نيسابور في البيعة للسفاح وللمنصور من بعده ، فحقد عليه أبو جعفر ، وأشار على السفاح بقتله ، وحين قدم حرضه على قتله أيضا ، فقال له السفاح : قد علمت بلاءه معنا وخدمته لنا . فقال له أبو جعفر : يا أمير المؤمنين ، إنما ذلك بدولتنا ، والله لو أرسلت سنورا لسمعوا له وأطاعوا ، وإنك إن لم تتغد به تعشى بك هو . فقال له : كيف السبيل إلى ذلك ؟ قال : إذا دخل عليك فحادثته جئت أنا من ورائه فضربته بالسيف . قال : فكيف بمن معه ؟ قال : هم أذل وأقل . فأذن له في قتله ، فلما [ ص: 293 ] دخل أبو مسلم على السفاح ندم على ما كان أذن لأخيه فيه ، فبعث إليه الخادم يقول له : إن ذاك الذي بينك وبينه قد ندم عليه ، فلا تفعله . فلما جاءه الخادم وجده محتبيا بالسيف ، متهيئا لما يريد من قتل أبي مسلم فلما نهاه عن ذلك غضب أبو جعفر غضبا شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة حج بالناس أبو جعفر المنصور عن ولاية أخيه السفاح وسار معه إلى الحجاز أبو مسلم الخراساني عن أمر الخليفة وإذنه له في الحج في هذا العام ، فلما رجعا من الحج فكانا بذات عرق جاء الخبر إلى أبي جعفر - وكان يسير قبل أبي مسلم بمرحلة - بموت أبي العباس السفاح فكتب إلى أبي مسلم أن قد حدث أمر ، فالعجل العجل . فلما استعلم أبو مسلم الخبر عجل السير وراءه ، فلحقه إلى الكوفة فكانت بيعة المنصور على ما سيأتي بيانه وتفصيله قريبا ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية