الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سورة طه

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3 ] قوله تعالى : طه .

                                                                                                                                                                                                                                      أظهر الأقوال فيه عندي أنه من الحروف المقطعة في أوائل السور ، ويدل لذلك أن الطاء والهاء المذكورتين في فاتحة هذه السورة ، جاءتا في مواضع أخر لا نزاع فيها في أنهما من الحروف المقطعة ، أما الطاء ففي فاتحة " الشعراء " طسم [ 26 1 ] وفاتحة " النمل " طس [ 27 1 ] . وفاتحة " القصص " وأما الهاء ففي فاتحة " مريم " في قوله تعالى كهيعص [ 19 1 ] وقد قدمنا الكلام مستوفى على الحروف المقطعة في أول سورة " هود " وخير ما يفسر به القرآن القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض أهل العلم : قوله طه : معناه يا رجل . قالوا : وهي لغة بني عك بن عدنان ، وبني طيئ ، وبني عكل ، قالوا : لو قلت لرجل من بني عك : يا رجل ، لم يفهم أنك تناديه حتى تقول طه ، ومنه قول متمم بن نويرة التميمي :

                                                                                                                                                                                                                                      دعوت بطه في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلا

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى مزايلا ، وقال عبد الله بن عمرو : معنى ( طه ) بلغة عك يا حبيبي ، ذكره الغزنوي . وقال قطرب : هو بلغة طيئ ، وأنشد ليزيد بن المهلهل :


                                                                                                                                                                                                                                      إن السفاهة طه في شمائلكم     لا بارك الله في القوم الملاعين



                                                                                                                                                                                                                                      ويروى :

                                                                                                                                                                                                                                      إن السفاهة طه من خلائقكم     لا قدس الله أرواح الملاعين



                                                                                                                                                                                                                                      وممن روي عنه أن معنى " طه " : يا رجل ، ابن عباس ، ومجاهد وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، ومحمد بن كعب ، وأبو مالك ، وعطية العوفي ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وابن أبزى ، وغيرهم ، كما نقله عنهم ابن كثير ، وغيره . وذكر القاضي عياض في الشفاء عن الربيع بن أنس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله " طه " يعني طأ الأرض بقدميك يا محمد . وعلى هذا القول فالهاء مبدلة من الهمزة ، والهمزة خففت بإبدالها ألفا كقول في الفرزدق :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4 ]

                                                                                                                                                                                                                                      راحت بمسلمة البغال عشية     فارعي فزارة لا هناك المرتع



                                                                                                                                                                                                                                      ثم بني عليه الأمر ، والهاء للسكت . ولا يخفى ما في هذا القول من التعسف ، والبعد عن الظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله طه أقوال أخر ضعيفة ، كالقول بأنه من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - . والقول بأن الطاء من الطهارة ، والهاء من الهداية يقول لنبيه : يا طاهرا من الذنوب ، يا هادي الخلق إلى علام الغيوب ، وغير ذلك من الأقوال الضعيفة . والصواب إن شاء الله في الآية هو ما صدرنا به ، ودل عليه القرآن في مواضع أخر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية