الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما الفرقة الثالثة فحليلة الابن من الصلب وابن الابن وابن البنت وإن سفل فتحرم على الرجل حليلة ابنه من صلبه بالنص وهو قوله عز وجل : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } وذكر الصلب جاز أن يكون لبيان الخاصية وإن لم يكن الابن إلا من الصلب لقوله تعالى : { ولا طائر يطير بجناحيه } وإن كان الطائر لا يطير إلا بجناحيه وجاز أن يكون لبيان القسمة والتنويع ; لأن الابن قد يكون من الصلب وقد يكون من الرضاع وقد يكون بالتبني أيضا على ما ذكر في سبب نزول الآية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج امرأة زيد بن حارثة بعد ما طلقها زيد وكان ابنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبني فعابه المنافقون على ذلك ، وقالوا : إنه تزوج بحليلة ابنه فنزل قوله تعالى : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } وكذلك قوله تعالى : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } ولأن حليلة الابن لو لم تحرم على الأب فإذا طلقها الابن ربما يندم على ذلك ويريد العود إليها فإذا تزوجها أبوه أورث ذلك الضغينة بينهما .

                                                                                                                                والضغينة تورث القطيعة ، وقطع الرحم حرام فيجب أن يحرم حتى لا يؤدي إلى الحرام ولهذا حرمت منكوحة الأب على الابن كذا هذا سواء كان دخل بها الابن أو لم يدخل بها ; لأن النص مطلق عن شرط الدخول والمعنى لا يوجب الفصل أيضا على ما ذكرنا ; ولأن العقد سبب إلى الدخول والسبب يقام مقام المسبب في موضع الاحتياط على ما مر ، وحليلة ابن الابن وابن البنت وإن سفل تحرم بالإجماع أو بما ذكرنا من المعنى لا بعين النص ; لأن ابن الابن يسمى ابنا مجازا لا حقيقة فإذا صارت الحقيقة مرادة لم يبق المجاز مرادا لنا إلا على قول من يقول : إنه يجوز أن يرادا من لفظ واحد - والله الموفق - .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية