الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

                                                                                                          7 حدثنا محمد بن إسمعيل حدثنا مالك بن إسمعيل عن إسرائيل بن يونس عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة وأبو بردة بن أبي موسى اسمه عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن حميد بن إسماعيل ) كذا في النسخ المطبوعة في الهند ، وإني لم أجد في كتب الرجال رجلا اسمه محمد بن حميد بن إسماعيل من شيوخ الترمذي ، وفي النسخة المصرية حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا حميد قال حدثنا مالك بن إسماعيل إلخ ، وإني لم أجد في كتب الرجال رجلا اسمه حميد وهو من تلامذة مالك بن إسماعيل ومن شيوخ محمد بن إسماعيل فتفكر وتأمل ، وقال بعضهم : لعل لفظ حميد هاهنا زائد في كلتا النسختين ، والصحيح هكذا : حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا مالك بن إسماعيل ، ويدل على ذلك ما قال في الدر الغالي شرح إرشاد المتجلي بعدما ذكر رواية أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال غفرانك . قال عقب ذلك : وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد ، وعنه رواه الترمذي عن عائشة ، وأورد رواية عائشة هذه بهذا المتن والسند ، وقال في ابتداء السند : حدثنا مالك بن إسماعيل ، فظهر من هذا ومن النسخة المصرية أن الترمذي روى هذا الحديث عن محمد بن إسماعيل أعني البخاري دون محمد بن حميد . انتهى كلامه بلفظه .

                                                                                                          ( نا مالك بن إسماعيل ) ابن درهم النهدي مولاهم أبو غسان الكوفي الحافظ ، روى عن إسرائيل وأسباط بن النصر والحسن بن صالح وخلق ، وعنه البخاري والباقون بواسطة ، قال ابن معين : ليس بالكوفة أتقن منه ، وقال يعقوب بن شيبة ثقة صحيح الحديث من العابدين مات سنة 219 تسع عشرة ومائتين كذا في الخلاصة ، وقال في التقريب : ثقة متقن صحيح الكتاب عابد من صغار التاسعة . انتهى .

                                                                                                          ( عن إسرائيل ) ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي ، ثقة تكلم فيه بلا حجة ، قال أحمد ثقة ثبت ، وقال أبو حاتم : صدوق من أتقن أصحاب أبي إسحاق ولد سنة 100 مائة ومات سنة 162 اثنتين وستين ومائة .

                                                                                                          [ ص: 42 ] ( عن يوسف بن أبي بردة ) ابن أبي موسى الأشعري الكوفي ، روى عن أبيه وعنه إسرائيل وسعيد بن مسروق ، وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة ، وقال الحافظ مقبول .

                                                                                                          ( عن أبيه ) أي أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثالثة ، قال في الخلاصة : أبو بردة بن أبي موسى الأشعري الفقيه قاضي الكوفة اسمه الحارث أو عامر ، عن علي والزبير وحذيفة وطائفة ، وعنه بنوه عبد الله ويوسف وسعيد وبلال وخلق ، وثقه غير واحد توفي سنة 103 ثلاث ومائة .

                                                                                                          قوله : ( إذا خرج من الخلاء قال غفرانك ) إما مفعول به منصوب بفعل مقدر أي أسألك غفرانك أو أطلب غفرانك ، أو مفعول مطلق أي اغفر غفرانك ، وقد ذكر في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الخروج بهذا الدعاء وجهان :

                                                                                                          أحدهما : أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله تعالى فإنه يذكر الله تعالى في سائر حالاته إلا عند الحاجة .

                                                                                                          وثانيهما : أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه من تسويغ الطعام والشراب وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى أوان الخروج ، فلجأ إلى الاستغفار اعترافا بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم ، كذا في المرقاة .

                                                                                                          قلت : الوجه الثاني هو المناسب لحديث أنس ، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني رواه ابن ماجه قال القاضي أبو بكر ابن العربي : سأل المغفرة من تركه ذكر الله في تلك الحالة ، ثم قال : فإن قيل : إنما تركه بأمر ربه فكيف يسأل المغفرة عن فعل كان بأمر الله؟ والجواب أن الترك وإن كان بأمر الله إلا أنه من قبل نفسه وهو الاحتياج إلى الخلاء . انتهى . فإن قيل : قد غفر له صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما معنى سؤاله المغفرة؟ يقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب المغفرة من ربه قبل أن يعلمه أنه قد غفر له ، وكان يسألها بعد ذلك لأنه غفر له بشرط استغفاره ، ورفع إلى شرف المنزلة بشرط أن يجتهد في الأعمال الصالحة والكل له حاصل بفضل الله تعالى ، قاله ابن العربي .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب حسن ) قال القاضي الشوكاني في نيل الأوطار : هذا الحديث [ ص: 43 ] أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم وأبو حاتم ، قال في البدر المنير : ورواه الدارمي ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان . انتهى .

                                                                                                          ( ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ) قال النووي في شرح المهذب : وهو حديث حسن صحيح ، وجاء في الذي يقال عقب الخروج من الخلاء أحاديث كثيرة ليس فيها شيء ثابت إلا حديث عائشة المذكور ، قال : وهذا مراد الترمذي بقوله : " ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة " كذا في قوت المغتذي ، وقال العيني في شرح البخاري بعد ذكر حديث عائشة المذكور : أخرجه ابن حبان وابن خزيمة وابن الجارود والحاكم في صحيحهم ، وقال أبو حاتم الرازي هو أصح شيء في هذا الباب . فإن قلت لما أخرجه الترمذي وأبو علي الطرطوسي قالا : هذا حديث غريب حسن لا يعرف إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ، ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ، قلت : قوله غريب مردود بما ذكرنا من تصحيحه ويمكن أن تكون الغرابة بالنسبة إلى الراوي لا إلى الحديث ، إذ الغرابة والحسن في المتن لا يجتمعان ، فإن قلت : غرابة السند بتفرد إسرائيل وغرابة المتن لكونه لا يعرف غيره قلت : إسرائيل متفق على إخراج حديثه عند الشيخين ، والثقة إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه لا ينقص عن درجة الحسن ، وإن لم يرتق إلى درجة الصحة ، وقولهما لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ليس كذلك ، فإن فيه أحاديث وإن كانت ضعيفة :

                                                                                                          منها : حديث أنس رضي الله عنه رواه ابن ماجه : قال كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني . ومنها : حديث أبي ذر مثله ، أخرجه النسائي . ومنها : حديث ابن عباس ، أخرجه الدارقطني مرفوعا : الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني وأمسك علي ما ينفعني . ومنها : حديث سهل بن خيثمة نحوه ، وذكره ابن الجوزي في العلل . ومنها : حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا أخرجه الدارقطني : الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى علي قوته وأذهب عني أذاه . انتهى كلام العيني .

                                                                                                          قلت : المراد بقول الترمذي غريب من جهة السند ، فإنه قال لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ، ولا منافاة بين أن يكون الحديث غريبا من جهة السند وبين أن يكون حسنا أو صحيحا كما تقرر في مقره ، فقول العلامة العيني قوله غريب مردود بما ذكرنا من تصحيحه مردود عليه ، وأما قول الترمذي لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ، فقد عرفت ما هو المراد منه .




                                                                                                          الخدمات العلمية