الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 4 ] باب مناقب عمر - رضي الله عنه - الفصل الأول

6035 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) . متفق عليه .

التالي السابق


[ 4 ] باب مناقب عمر - رضي الله عنه - الفصل الأول

6035 - ( عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ) : بيان لما بمعنى ( من ) أي في الذين كانوا قبلكم ( محدثون ) : بفتح الدال المشددة أي : ناس ملهمون كما فسر به ابن وهب . ( فإن يك في أمتي أحد ) أي : واحد منهم فرضا وتقديرا ( فإنه عمر ) . أي وإن يك أكثر فهو حينئذ أولى وأظهر . قال التوربشتي : المحدث في كلامهم هو الرجل الصادق الظن وهو في الحقيقة من ألقي في روعه .

[ ص: 3893 ] شيء من قبل الملأ الأعلى ، فيكون كالذي حدث به . وفي قوله : فإن يك في أمتي أحد فهو عمر لم يرد هذا القول مورد التردد ، فإن أمته أفضل الأمم وإن كانوا موجودين في غيرهم من الأمم ، فبالحري أن يكونوا في هذه الأمة أكثر عددا وأعلى رتبة ، وإنما ورد مورد التأكيد والقطع به ، ولا يخفى على ذي الفهم محله من المبالغة كما يقول الرجل : إن يكن لي صديق فإنه فلان يريد بذلك اختصاصه بالكمال في صداقته لا نفي الأصدقاء اه . وتوضيحه أنك لا تريد بذلك الشك في صداقته والتردد في أنه هل لك صديق بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه ، وقيل : هو على ظاهره لأن الحكمة في كونهم في بني إسرائيل احتياجهم إلى ذلك حيث لا يكون بينهم نبي وكتبهم طرأ عليها التبديل ، واحتمل عنده - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقرآن المأمون تبديله وتحريفه . ذكره السيوطي . قال الطيبي : هذا الشرط من باب قول الأجير : إن كنت عملت لك فوفني حقي وهو عالم بذلك ، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه ، والمراد بالمحدث الملهم المبالغ فيه الذي انتهى إلى درجة الأنبياء في الإلهام ، فالمعنى لقد كان فيما قبلكم من الأمم أنبياء يلهمون من قبل الملأ الأعلى ، فإن في أمتي أحد هذا شأنه فهو عمر جعله لانقطاع قرينه وتفوقه على أقرانه في هذا ، كأنه تردد في أنه هل هو نبي أم لا . فاستعمل ( إن ) ويؤيده ما ورد في الفصل الثاني : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ، فلو في هذا الحديث ، بمنزلة إن على سبيل الفرض والتقدير ، كما في قول عمر - رضي الله عنه - : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه . ( متفق عليه ) . قال ميرك : ولفظه للبخاري ولمسلم نحوه عن عائشة .

ومن العجب أن الحاكم أخرج حديث عائشة في مناقب عمر مستدركا على مسلم في كونه لم يخرجه ، وقد أخرجه في ( المناقب ) أيضا . قلت : وقد سبق عنه الجواب والله أعلم بالصواب . ثم لفظ الحديث في الجامع : ( قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم ناس محدثون ، فإن يك في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب ) . رواه أحمد والبخاري عن أبي هريرة ، وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن عائشة ، ففي قول المصنف متفق عليه مسامحة لا تخفى ، كما أشار إليه ميرك ، ثم اعلم أن لفظ أحمد ومسلم عن عائشة قد كان يكون في الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب ، ذكره في الرياض . ثم قال : وأخرجه الترمذي وصححه أبو حاتم ، وخرجه البخاري عن أبي هريرة ، وخرج عنه من طريق آخر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر ) ومعنى محدثون - والله أعلم - ملهمون الصواب ، ويجوز أن يحمل على ظاهره بأن تحدثهم الملائكة لا بوحي ، بل بما يطلق عليه اسم حديث وتلك فضيلة عظيمة .




الخدمات العلمية