الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                ومنها المال ، فلا يكون الفقير كفئا للغنية ; لأن التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة ، وخصوصا في زماننا هذا ; ولأن للنكاح تعلقا بالمهر والنفقة تعلقا لازما ، فإنه لا يجوز بدون المهر ، والنفقة لازمة ، ولا تعلق له بالنسب والحرية ، فلما اعتبرت الكفاءة ثمة ، فلأن تعتبر ههنا أولى ، والمعتبر فيه القدرة على مهر مثلها ، والنفقة ، ولا تعتبر الزيادة على ذلك حتى أن الزوج إذا كان قادرا على مهر مثلها ، ونفقتها يكون كفئا لها ، وإن كان لا يساويها في المال هكذا روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ، ومحمد في ظاهر الروايات

                                                                                                                                وذكر في غير رواية الأصول أن تساويهما في الغنى شرط تحقق الكفاءة في قول أبي حنيفة ، ومحمد خلافا لأبي يوسف ; لأن التفاخر يقع في الغنى عادة ، والصحيح هو الأول ; لأن الغنى لا ثبات له ; لأن المال غاد ورائح ، فلا تعتبر المساواة في الغنى .

                                                                                                                                ومن لا يملك مهرا ، ولا نفقة لا يكون كفئا ; لأن المهر عوض ما يملك بهذا العقد ، فلا بد من القدرة عليه ، وقيام الازدواج بالنفقة ، فلا بد من القدرة عليها ; ولأن من لا قدرة له على المهر ، والنفقة يستحقر ، ويستهان في العادة كمن له نسب دنيء ، فتختل به المصالح كما تختل عند دناءة النسب ، وقيل المراد من المهر قدر المعجل عرفا وعادة دون ما في الذمة ; لأن ما في الذمة يسامح فيه بالتأخير إلى وقت اليسار ، فلا يطلب به للحال عادة ، والمال غاد ورائح .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أنه إذا ملك النفقة يكون كفئا ، وإن لم يملك المهر هكذا روى الحسن بن أبي مالك [ ص: 320 ] عنه ، فإنه روى عنه أنه قال : سألت أبا يوسف عن الكفء ، فقال : الذي يملك المهر ، والنفقة ، فقلت ، وإن كان يملك المهر دون النفقة ، فقال : لا يكون كفئا ، فقلت ، فإن ملك النفقة دون المهر ، فقال : يكون كفئا ، وإنما كان كذلك ; لأن المرء يعد قادرا على المهر بقدرة أبيه عادة ، ولهذا لم يجز دفع الزكاة إلى ولد الغني إذا كان صغيرا ، وإن كان فقيرا في نفسه ; لأنه يعد غنيا بمال أبيه ، ولا يعد قادرا على النفقة بغنى أبيه ; لأن الأب يتحمل المهر الذي على ابنه ، ولا يتحمل نفقة زوجته عادة .

                                                                                                                                وقال : بعضهم إذا كان الرجل ذا جاه كالسلطان والعالم ، فإنه يكون كفئا ، وإن كان لا يملك من المال إلا قدر النفقة لما ذكرنا أن المهر تجري فيه المسامحة بالتأخير إلى وقت اليسار ، والمال يغدو ، ويروح ، وحاجة المعيشة تندفع بالنفقة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية