الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 639 ] ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائة مهلك البرامكة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها كان مقتل الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي ، ودمار ديارهم واندثار آثارهم ، وذهاب صغارهم وكبارهم ، وقد اختلف في سبب ذلك على أقوال ذكرها أبو جعفر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ ، فمما قيل : إن الرشيد كان قد سلم يحيى بن عبد الله بن حسن إلى جعفر البرمكي فسجنه عنده ، فما زال يحيى يترقق له حتى أطلقه جعفر ، فنم الفضل بن الربيع على جعفر في ذلك ، فقال له الرشيد : ويلك لا تدخل بيني وبين جعفر فلعله أطلقه عن أمري وأنا لا أشعر . ثم سأل الرشيد جعفرا عن ذلك فصدقه الحال ، فتغيظ عليه الرشيد وحلف ليقتلنه وكره البرامكة ومقتهم وقلاهم بعد ذلك ، بعد ما كانوا أحظى الناس عنده وأحبهم إليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت أم جعفر والفضل أمه من الرضاعة فحصل لهم من الرفعة في الدنيا وكثرة المال بسبب ذلك شيء كثير لم يحصل لمن قبلهم من الوزراء ولا لمن بعدهم من الأكابر والرؤساء ، بحيث إن جعفرا بنى دارا غرم عليها عشرين ألف ألف درهم ، وكان ذلك من جملة ما نقمه عليه الرشيد . ويقال : إن الرشيد [ ص: 640 ] كان لا يكاد يمر ببلد ولا إقليم فيسأل عن قرية أو مزرعة أو بستان إلا قيل : هذا لجعفر . وقيل : إن البرامكة كانوا يريدون إبطال خلافة الرشيد وإظهار الزندقة . وقيل : بسبب العباسة . ومن العلماء من أنكر ذلك . وإن كان ابن جرير قد ذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى ابن الجوزي أن الرشيد سئل عن السبب الذي من أجله أهلك البرامكة فقال : لو أعلم أن قميصي يعلم ذلك لأحرقته . وقد كان جعفر يدخل على الرشيد بغير إذن حتى كان ربما دخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه ، وهذه وجاهة عظيمة ومنزلة عالية ، وكان من أحظى العشراء على الشراب - فإن الرشيد كان يستعمل في أواخر ملكه المسكر ، وكأنه المختلف فيه - وكان أحب أهله إليه أخته العباسة بنت المهدي ، وكان يحضرها معه ، وجعفر البرمكي حاضر أيضا ، فزوجه بها ليحل له النظر إليها ، واشترط عليه أن لا يطأها ، فكان الرشيد ربما قام وتركهما وهما ثملان من الشراب ، فربما واقعها جعفر فاتفق حملها منه فولدت ولدا ، وبعثته مع بعض جواريها إلى مكة ، فكان يربى بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر القاضي ابن خلكان في " الوفيات " صفة أخرى في مقتل جعفر ، وذلك أنه لما زوج الرشيد جعفرا من العباسة أحبته حبا شديدا ، فراودته عن نفسه فامتنع أشد الامتناع من خشية أمير المؤمنين ، فاحتالت عليه ، وكانت أمه [ ص: 641 ] تهدي إليه في كل ليلة جمعة جارية حسناء بكرا فقالت لأمه : أدخليني عليه في صفة جارية من تلك الجواري فهابت من تلك ، فتهددتها حتى فعلت ، فلما دخلت عليه وكان لا يتحقق وجهها من مهابة الرشيد ، فواقعها فقالت له : كيف رأيت خديعة بنات الملوك . فقال : ومن أنت؟ فقالت : أنا العباسة . وحملت من تلك الليلة ، فدخل على أمه فقال لها . بعتيني والله برخيص . ثم إن والده يحيى بن خالد جعل يضيق على عيال الرشيد في النفقة ، حتى شكته إلى الرشيد زبيدة مرات ، ثم أفشت له سر العباسة ، فاستشاط غضبا ، ولما أخبرته أن الولد قد أرسلت به إلى مكة حج عامه ذلك حتى تحقق الأمر . ويقال : إن بعض الجواري نمت عليها إلى الرشيد ، وأخبرته بما وقع من الأمر ، وأن الولد بمكة ، وعنده جوار ومعه أموال وحلي كثير ، فلم يصدق حتى حج في السنة الحالية ، فكشف عن الحال ، فإذا هو كما ذكرت تلك الجارية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد حج في هذه السنة يحيى بن خالد الوزير ، وقد استشعر الغضب من الرشيد عليه ، فجعل يدعو عند الكعبة : اللهم إن كان يرضيك عني سلب مالي وولدي وأهلي فافعل ذلك بي ، وأبق علي منهم الفضل . ثم خرج ، فلما كان عند باب المسجد رجع فقال : اللهم والفضل معهم ، فإني راض برضاك عني ولا تستثن منهم أحدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما قفل الرشيد من الحج صار إلى الحيرة ، ثم ركب في السفن إلى العمر من أرض الأنبار ، فلما كانت ليلة السبت سلخ المحرم من هذه السنة أعني سنة سبع وثمانين أرسل مسرورا الخادم ، ومعه حماد بن سالم أبو عصمة في جماعة [ ص: 642 ] من الجند فأطافوا بجعفر بن يحيى ليلا ، فدخل عليه مسرور الخادم ، وعنده بختيشوع المتطبب ، وأبو زكار الأعمى المغني الكلوذاني ، وهو في أمره ، وأبو زكار يغنيه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا تبعد فكل فتى سيأتي عليه الموت يطرق أو يغادي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال الخادم له : يا أبا الفضل ، هذا الموت قد طرقك ، أجب أمير المؤمنين . فقام إليه ، فقبل قدميه ، ودخل عليه ، أن يدخل إلى أهله ، فيوصي إليهم ، فقال : أما الدخول فلا سبيل إليه ، فأوصى جعفر وأعتق جماعة من مماليكه ، وجاءت رسل الرشيد تستحث الخادم ، فأخرجه إخراجا عنيفا يقوده ، حتى أتى المنزل الذي كان فيه الرشيد فحبسه وقيده بقيد حمار ، وأعلم الرشيد بما كان فعل ، فأمره بضرب عنقه ، فجاء إلى جعفر فقال : إن أمير المؤمنين قد أمرني أن آتيه برأسك ، فقال : يا أبا هاشم ، لعل أمير المؤمنين سكران ، فإذا صحا عاتبك على ذلك ، فعاوده . فرجع إليه فقال : يا أمير المؤمنين ، لعلك مشغول . فقال : ويحك يا ماص بظر أمه ! ائتني برأسه . فكرر عليه جعفر المعاودة ، فقال له : برئت من المهدي لئن لم تأتني برأسه لأبعثن من يأتيني برأسك ورأسه . فرجع إلى جعفر ، فحز رأسه ، وجاء به إلى الرشيد ، فألقاه بين يديه ، وأرسل الرشيد من ليلته البرد في الاحتياط على البرامكة جميعهم ببغداد وغيرها ، ومن كان منهم بسبيل فأخذوا كلهم عن آخرهم ، فلم يفلت منهم أحد ، وحبس يحيى بن خالد في منزله ، وحبس الفضل بن يحيى في منزل آخر ، وأخذ جميع ما كانوا يملكونه من الأموال ، والموالي ، والحشم ، والخدم ، واحتيط على أملاكهم ، وبعث الرشيد برأس جعفر وجثته ، ثم قطعت باثنين ، فنصب الرأس عند الجسر الأعلى ، وشق الجثة عند الجسر الأسفل ، وشقها الآخر عند الجسر الآخر ، ثم أحرقت بعد [ ص: 643 ] ذلك ، ونودي في بغداد أن لا أمان للبرامكة ولا لمن آواهم ، إلا محمد بن يحيى بن خالد ، فإنه استثناه من بين البرامكة لنصحه للخليفة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأتى الرشيد بأنس بن أبي شيخ - وكان يتهم بالزندقة ، وكان مصاحبا لجعفر البرمكي - وذلك ليلة قتل جعفر ، فدار بينه وبينه كلام ، فأخرج الرشيد سيفا من تحت فراشه ، وأمر بضرب عنقه به ، وجعل يتمثل ببيت قيل في أنس قبل ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تلمظ السيف من شوق إلى أنس     فالسيف يلحظ والأقدار تنتظر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فضربت عنق أنس ، فسبق السيف الدم ، فقال الرشيد : رحم الله عبد الله بن مصعب . فقال الناس : إن السيف كان سيف الزبير بن العوام . وشحنت السجون بالبرامكة ، واستلبت أموالهم كلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان الرشيد في اليوم الذي قتل في آخره جعفرا ، هو وإياه راكبين في الصيد ، وقد خلا به دون ولاة العهود ، وطيبه في ذلك اليوم بالغالية بيده ، ولما كان وقت المغرب وودعه الرشيد ، ضمه إليه وقال : لولا أن الليلة ليلة خلوتي بالنساء ما فارقتك ، فاذهب إلى منزلك واشرب واطرب لتكون على مثل حالي . فقال : والله يا أمير المؤمنين لا أشتهي ذلك إلا معك . فانصرف عنه جعفر ، فما هو إلا أن ذهب من الليل بعضه حتى أوقع به من البأس والنكال ما تقدم ذكره ، وكان ذلك ليلة السبت آخر ليلة من المحرم ، وقيل : إنها مستهل صفر سنة سبع وثمانين . وكان عمر جعفر إذ ذاك سبعا وثلاثين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما جاء الخبر إلى أبيه يحيى بن خالد بقتله قال : قتل الله ابنه . ولما قيل له : [ ص: 644 ] قد خربت دارك . قال : خرب الله دوره . ويقال : إنه لما نظر إلى داره وقد هتكت ستورها ، واستبيحت قصورها ، وانتهب ما فيها ، قال : هكذا تقوم الساعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كتب إليه بعض أصحابه يعزيه فيما وقع ، فكتب جواب التعزية : أنا بقضاء الله راض ، وبالخيار عالم ، ولا يؤاخذ الله العباد إلا بذنوبهم ، وما الله بظلام للعبيد ، وما يغفر الله أكثر ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أكثر الشعراء من المراثي في البرامكة ، فمن ذلك قول الرقاشي - ويذكر أنها لأبي نواس - :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألان استرحنا واستراحت ركابنا     وأمسك من يجدي ومن كان يجتدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقل للمطايا قد أمنت من السرى     وطي الفيافي فدفدا بعد فدفد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر     ولن تظفري من بعده بمسود
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقل للعطايا بعد فضل تعطلي     وقل للرزايا كل يوم تجددي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودونك سيفا برمكيا مهندا     أصيب بسيف هاشمي مهند

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الرقاشي وقد نظر إلى جعفر وهو على جذعه مصلوب :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أما والله لولا خوف واش     وعين للخليفة لا تنام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لطفنا حول جذعك واستلمنا     كما للناس بالحجر استلام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما أبصرت قبلك يابن يحيى     حساما فله السيف الحسام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على اللذات والدنيا جميعا     ودولة آل برمك السلام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 645 ] قال : فاستدعى به الرشيد وقال له : ويحك! كم كان يعطيك جعفر كل عام؟ قال : ألف دينار . فأمر له بألفي دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزبير بن بكار عن عمه مصعب الزبيري قال : لما قتل جعفر بن يحيى وقفت امرأة على حمار فاره ، فقالت بلسان فصيح : والله لئن صرت اليوم آية فلقد كنت في المكارم غاية . ثم أنشأت تقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما رأيت السيف خالط جعفرا     ونادى مناد للخليفة في يحيى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بكيت على الدنيا وأيقنت أنما     قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما هي إلا دولة بعد دولة     تخول ذا نعمى وتعقب ذا بلوى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا أنزلت هذا منازل رفعة     من الملك حطت ذا إلى الغاية القصوى

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ثم حركت حمارها ، فذهبت فكأنها كانت ريحا لا أثر لها ، ولا يعرف أين ذهبت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه " المنتظم " أن جعفرا كانت له جارية يقال لها : فنفنة . مغنية لم يكن لها في الدنيا نظير ، كان مشتراها عليه بمن معها من الجواري مائة ألف دينار ، فطلبها منه الرشيد ، فامتنع من ذلك ، فلما قتله الرشيد اصطفى تلك الجارية ، فأحضرها ليلة في مجلس شرابه ، وعنده [ ص: 646 ] جماعة من جلسائه وسماره وأحبابه ، فأمر من معها أن يغنين ، فاندفعت كل واحدة تغني ، حتى انتهت النوبة إلى فنفنة ، فأمرها بالغناء ، فأسبلت دمعها وقالت : أما بعد السادة فلا . فغضب الرشيد من ذلك غضبا شديدا ، وأمر بعض الحاضرين أن يأخذها إليه فقد وهبها له ، ثم لما أراد الانصراف قال له فيما بينه وبينه : لا تطأها . ففهموا أنه يريد بذلك كسرها . فلما كان بعد ذلك أحضرها ، وأظهر أنه قد رضي عنها وأمرها بالغناء ، فامتنعت وأرسلت دموعها وقالت : أما بعد السادة فلا . فغضب الرشيد أشد من الأول ، وقال : النطع والسيف . وجاء السياف ، فوقف على رأسها ، وقال له : إذا أمرتك ثلاثا وعقدت أصابعي ثلاثا فاضرب . ثم قال لها : غني . فبكت وقالت : أما بعد السادة فلا . فعقد أصبعه الخنصر ، ثم أمرها الثانية فامتنعت ، فعقد اثنتين ، فارتعد الحاضرون ، وأشفقوا غاية الإشفاق ، وأقبلوا عليها يسألونها أن لا تقتل نفسها ، وأن تجيب أمير المؤمنين إلى ما يريد منها . ثم أمرها الثالثة ، فاندفعت تغني :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما رأيت الديار قد درست     أيقنت أن النعيم لم يعد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فوثب إليها الرشيد ، وأخذ العود من يدها ، وأقبل يضرب به وجهها ، ورأسها حتى تكسر ، وأقبلت الدماء ، وتطايرنا من حولها ، وحملت الجارية من بين يديه فماتت بعد ثلاث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروي أن الرشيد كان يقول : لعن الله من أغراني بالبرامكة ، فما وجدت [ ص: 647 ] بعدهم لذة ولا راحة ولا رخاء ، ووددت والله أني شوطرت نصف عمري وملكي وأني تركتهم على أمرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحكى ابن خلكان أن جعفرا اشترى جارية من رجل بأربعين ألف دينار ، فالتفتت إلى بائعها وقالت له : اذكر العهد الذي بيني وبينك أن لا تأكل من ثمني شيئا . فبكى سيدها وقال : اشهدوا أنها حرة ، وأني قد تزوجتها . فقال جعفر : اشهدوا أن الثمن له أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وكتب إلى نائب له : أما بعد; فقد كثر شاكوك ، وقل شاكروك ، فإما أن تعدل وإما أن تعتزل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن أحسن ما وقع منه من التلطف في إزالة هم الرشيد وقد دخل عليه منجم يهودي ، فأخبر أنه سيموت في هذه السنة ، فحمل الرشيد هما عظيما ، فدخل جعفر فسأل : ما الخبر؟ فأخبر بقول اليهودي للخليفة : أنه سيموت من عامه هذا ، فاستدعى جعفر اليهودي ، فقال له : كم وجدت بقي لك من العمر؟ فذكر مدة طويلة ، فأقبل على الرشيد وقال : يا أمير المؤمنين ، اقتله حتى تعلم كذبه فيما أخبر به عن موتك ، كما علمت كذبه فيما أخبر عن عمره . فأمر الرشيد باليهودي فقتل ، وسري عن الرشيد همه الذي كان يجده ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبعد مقتل البرامكة قتل الرشيد إبراهيم بن عثمان بن نهيك ، وذلك أنه [ ص: 648 ] حزن على مقتل البرامكة ، ولاسيما على جعفر ، وكان يكثر البكاء عليهم ، ثم خرج من حيز البكاء إلى حيز الانتصار لهم والأخذ بثأرهم ، وكان إذا شرب في منزله يقول لجاريته : ائتيني بسيفي . فيسله ثم يقول : والله لأقتلن قاتله . فأكثر أن يقول ذلك ، فخشي ابنه عثمان أن يطلع الخليفة على شيء من ذلك ، فيهلكهم عن آخرهم ، ورأى أن أباه لا ينزع عن هذا ، فذهب إلى الفضل بن الربيع فأعلمه ، فأخبر الفضل الخليفة ، فاستدعى به ، فاستخبره فأخبره فقال : من يشهد معك؟ قال : فلان الخادم . فجاء به فأخبره ، فقال الرشيد : لا يحل لي قتل أمير كبير بمجرد قول غلام وخصي ، لعلهما قد تواصيا على ذلك . فأحضره الرشيد معه على الشراب ، ثم خلا به فقال له : ويحك يا إبراهيم ، إن عندي سرا أحب أن أطلعك عليه ، قد أقلقني في الليل والنهار . قال : وما هو؟ قال إني ندمت على قتل البرامكة ووددت أني قد خرجت من نصف ملكي ونقصت نصف عمري ولم أكن فعلت بهم ما فعلت ، فإني لم أجد بعدهم لذة ولا راحة ، فقال : رحمة الله على أبي الفضل - يعني جعفرا ، وبكى - والله يا سيدي ، لقد أخطأت في قتله . فقال له : قم ، لعنك الله . ثم قتله بعد ثلاثة أيام . وسلم أهله وولده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح بسبب أنه بلغه أنه يريد الخلافة ، واشتد غضبه بسببه أيضا على البرامكة الذين هم في الحبوس ، وسجنه ، فلم يزل في السجن حتى توفي الرشيد فأخرجه الأمين ، وعقد له على نيابة الشام . [ ص: 649 ] وفي هذه السنة ثارت العصبية أيضا بالشام بين المضرية واليمانية ، فبعث إليهم الرشيد محمد بن منصور بن زياد فأصلح بينهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت زلزلة عظيمة بالمصيصة ، فانهدم بعض سورها ، ونضب ماؤهم ساعة من الليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها بعث الرشيد ولده القاسم على الصائفة ، وجعله قربانا ووسيلة ، وولاه العواصم ، فسار إلى بلاد الروم ، فحاصرهم حتى افتدوا منه بخلق من الأسارى يطلقونهم ويرجع عنهم ، ففعل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها نقضت الروم الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين الذي كان عقده الرشيد بينه وبين رينى ملكة الروم الملقبة أغسطة ، وذلك أن الروم عزلوها عنهم ، وملكوا عليهم النقفور ، وكان شجاعا ، يقال : إنه من سلالة آل جفنة ، وإنه قبل الملك كان يلي ديوان الخراج ، وملكوا نقفور هذا عليهم ، فخلعوا رينى وسملوا عينيها ، فكتب إلى الرشيد : من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب ، أما بعد ، فإن الملكة التي كانت قبل أقامتك مقام الرخ ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثاله إليها ، [ ص: 650 ] ولكن ذلك من ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها ، وافتد نفسك ، وإلا فالسيف بيننا وبينك . فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب ، حتى لم يمكن أحدا أن ينظر إليه دون أن يخاطبه ، وتفرق جلساؤه خوفا منه ، واستدعى بدواة وكتب على ظهر الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه دون ما تسمعه ، والسلام . ثم شخص من يومه حتى أقام بباب هرقلة ، ففتحها واصطفى ابنة ملكها ، وغنم من الأموال شيئا كثيرا ، وخرب وأحرق ، واصطلم ، فطلب نقفور منه الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة ، فأجابه الرشيد إلى ذلك ، فلما رجع من غزوته وصار بالرقة ، نقض الكافر العهد ، وخان الميثاق ، وكان البرد قد اشتد جدا ، فلم يقدر أحد على إخبار الرشيد بذلك; لخوفهم على أنفسهم وعليه ، حتى ينفصل الشتاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة عبيد الله بن عباس بن محمد بن علي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر من توفي فيها من الأعيان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك أبو الفضل البرمكي الوزير ابن [ ص: 651 ] الوزير ، وقد ولاه الرشيد الشام وغيرها من البلاد ، وذكر ابن عساكر أن الرشيد بعثه إلى دمشق لما ثارت الفتنة بين العشرين بحوران بين قيس ويمن ، وكان ذلك أول ما أنشئوه في الإسلام ، كان خامدا فأثاروه في هذا الأوان ، فلما قدم جعفر بجيشه خمدت الشرور وظهر السرور ، وقيلت في ذلك أشعار حسان قد ذكرها في ترجمته من " تاريخه " فمنها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد أوقدت في الشام نيران فتنة     فهذا أوان الشام تخمد نارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا جاش موج البحر من آل برمك     عليها خبت شهبانها وشرارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رماها أمير المؤمنين بجعفر     وفيه تلاقى صدعها وانجبارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رماها بميمون النقيبة ماجد     تراضى به قحطانها ونزارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هو الملك المأمول للبر والتقى     وصولاته لا يستطاع خطارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وزير أمير المؤمنين وسيفه     ومديته والحرب تدمى شفارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن تطو أسرار الخليفة دونه     فعندك مأواها وأنت قرارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا ما ابن يحيى جعفر قصدت له     ملمات خطب لم ترعه كبارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد نشأت بالشام منك غمامة     يؤمل جدواها ويخشى دمارها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهي قصيدة طويلة ، اقتصرنا منها على هذا القدر ، وكانت له فصاحة وبلاغة وكرم زائد ، كان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف ، فتفقه عليه ، [ ص: 652 ] وصار له اختصاص بالرشيد ، وقد وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع فلم يخرج في شيء منها عن موجب الفقه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى الحديث عن أبيه ، عن عبد الحميد الكاتب ، عن سالم بن هشام الكاتب ، عن عبد الملك بن مروان كاتب عثمان ، عن زيد بن ثابت كاتب الوحي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه " . رواه الخطيب وابن عساكر من طريق أبي القاسم الكعبي المتكلم ، واسمه عبد الله بن أحمد البلخي - وقد كان كاتبا لمحمد بن زيد - عن أبيه ، عن عبد الله بن طاهر ، عن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق ، عن الفضل بن سهل ذى الرياستين ، عن جعفر بن يحيى به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عمرو بن بحر الجاحظ : قال جعفر بن يحيى للرشيد : يا أمير المؤمنين ، قال لي أبي يحيى : إذا أقبلت الدنيا عليك فأعط ; فإنها لا تفنى ، وإذا أدبرت عنك فأعط ; فإنها لا تبقى . قال جعفر : وأنشدنا أبي :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تبخلن لدنيا وهي مقبلة     فليس ينقصها التبذير والسرف
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإن تولت فأحرى أن تجود بها     فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 653 ] قال الخطيب البغدادي : وقد كان جعفر من علو القدر ونفاذ الأمر وعظم المحل وجلالة المنزلة عند الرشيد بحالة انفرد بها ، ولم يشارك فيها ، وكان سمح الأخلاق ، طلق الوجه ، ظاهر البشر . فأما جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه فأشهر من أن يذكر وأبين من أن يظهر ، وكان أيضا من ذوي الفصاحة المذكورين والبلاغة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى ابن عساكر ، عن مهذب حاجب العباس بن محمد ، صاحب قطيعة العباس والعباسية ، أنه أصابته ضائقة ، وألح عليه المطالبون ، وعنده سفط فيه جوهر شراؤه عليه ألف ألف درهم ، فحمله إلى جعفر ليبيعه منه ، فاشتراه بثمنه ووزن له ألف ألف ، وقبض منه السفط وأجلسه معه في تلك الليلة ، فلما رجع إلى منزله إذا السفط قد سبقه إلى منزله ، فلما أصبح غدا إليه ليشكره ، فوجده مع أخيه الفضل على باب الرشيد يستأذنان عليه ، فقال له جعفر : إني قد ذكرت أمرك للفضل ، وقد أمر لك بألف ألف ، وما أظنها إلا قد سبقتك إلى أهلك ، وسأفاوض فيك أمير المؤمنين . فلما دخل ذكر أمره وما لحقه من الديون ، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان جعفر ليلة في سمره وعنده رجل من أصحابه ، فجاءت الخنفساء ، حتى ركبت ثياب الرجل ، فألقاها عنه جعفر . وقال : إن الناس يقولون : إن من [ ص: 654 ] قصدته الخنفساء يبشر بمال يصيبه . فأمر له جعفر بألف دينار . ثم عادت الخنفساء ، فرجعت إلى الرجل ، فأمر له بألف دينار أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج مرة مع الرشيد ، فلما كانوا بالمدينة قال لرجل من أصحابه : انظر جارية أشتريها تكون فائقة في جمالها وغنائها وذكائها . ففتش الرجل فوجد جارية على النعت ، فطلب سيدها فيها مالا كثيرا على أن يراها جعفر ، فذهب جعفر إلى منزل سيدها ، فلما رآها أعجب بها ، فلما غنته أعجبته أكثر ، فساوم صاحبها فيها ، وقال : قد أحضرنا مالا فإن أعجبك وإلا زدناك . فقال لها سيدها : إني كنت في نعمة ، وكنت عندي في غاية السرور والسعة ، وإنه قد انقبض علي حالي ، وقد أحببت أن أبيعك لهذا الملك ، لتكوني عنده كما كنت عندي . فقالت : يا سيدي ، والله لو ملكت منك ما ملكت مني لم أبعك بالدنيا وما فيها ، وأين ما كنت عاهدتني أن لا تبيعني ، ولا تأكل ثمني؟! فقال سيدها لجعفر وأصحابه : أشهدكم أنها حرة لوجه الله تعالى ، وأني قد تزوجتها . فلما قال ذلك نهض جعفر ، وقام أصحابه ، وأمروا الحمال أن يحمل الدراهم ، فقال جعفر : والله لا تتبعني . وقال للرجل : قد ملكتكها . فأنفقها على أهلك . وذهب وتركه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هذا وقد كان يبخل بالنسبة إلى أخيه الفضل ، إلا أن الفضل كان أكثر منه مالا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى ابن عساكر من طريق الدارقطني بسنده أنه لما أصيب جعفر وجدوا له في جرة ألف دينار ، زنة كل دينار مائة دينار ، مكتوب على صفحة الدينار [ ص: 655 ] الواحدة جعفر ، والأخرى :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأصفر من ضرب دار الملوك     يلوح على وجهه جعفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يزيد على مائة واحدا     متى تعطه معسرا يوسر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد بن المعلى الراوية : كتبت عنان جارية الناطفي إلى جعفر تطلب منه أن يقول لأبيه يحيى أن يشير على الرشيد بشرائها ، وكتبت إليه بهذه الأبيات من شعرها في جعفر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا لائمي جهلا ألا تقصر     من ذا على حر الهوى يصبر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تلحني إذا شربت الهوى     صرفا فممزوج الهوى سكر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحاط بي الحب فخلفي له     بحر وقدامي له أبحر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تخفق رايات الهوى بالردى     فوقي وحولي للهوى عسكر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سيان عندي في الهوى لائم     أقل فيه والذي يكثر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنت المصفى من بني برمك     يا جعفر الخيرات يا جعفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا يبلغ الواصف في وصفه     ما فيك من فضل ولا يعشر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من وفر المال بأعراضه     فجعفر أعراضه أوفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ديباجة الملك على وجهه     وفي يديه العارض الممطر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سحت علينا منهما ديمة     ينهل منها الذهب الأحمر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو مسحت كفاه جلمودة     أنضر فيها الورق الأخضر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا يستتم المجد إلا فتى     يصبر للبذل كما يصبر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 656 ] يهتز تاج الملك من فوقه     فخرا ويزهي تحته المنبر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أشبهه البدر إذا ما بدا     أو غرة في وجهه تزهر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والله ما أدري أبدر الدجى     في وجهه أم وجهه أنور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يستمطر الزوار منك الندى     وأنت بالزوار تستبشر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكتبت تحت أبياتها حاجتها ، فركب من فوره إلى أبيه ، فأدخله على الخليفة ، فأشار عليه بشرائها ، فقال : لا والله لا أشتريها وقد قال فيها الشعراء فأكثروا ، واشتهر أمرها ، وهي التي يقول فيها أبو نواس :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن عنان النطاف جارية     أصبح حرها للنيك ميدانا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا يشتريها إلا ابن زانية     أو قلطبان يكون من كانا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعن ثمامة بن أشرس قال : بت ليلة مع جعفر بن يحيى بن خالد ، فانتبه من منامه يبكي مذعورا ، فقلت : ما شأنك؟ قال : رأيت شيخا جاء فأخذ بعضادتي هذا الباب وقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا     أنيس ولم يسمر بمكة سامر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال فأجبته :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 657 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بلى نحن كنا أهلها فأبادنا     صروف الليالي والجدود العواثر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ثمامة بن أشرس : فلما كانت الليلة المقبلة قتله الرشيد ، ونصب رأسه على الجسر ، ثم خرج الرشيد ينظر إليه ، فتأمله ثم أنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تقاضاك دهرك ما أسلفا     وكدر عيشك بعد الصفا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا تعجبن فإن الزمان     رهين بتفريق ما ألفا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فنظرت إلى جعفر ، وقلت : أما لئن أصبحت آية ، فلقد كنت في الخير غاية . قال : فنظر إلي الرشيد كأنه جمل صئول ، ثم أنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما يعجب العالم من جعفر     ما عاينوه فبنا كانا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من جعفر أو من أبوه ومن     كانت بنو برمك لولانا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم حول وجه فرسه وانصرف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان مقتل جعفر في ليلة السبت مستهل صفر من سنة سبع وثمانين ومائة ، وكان عمره سبعا وثلاثين سنة ، وكان لهم في الوزارة سبع عشرة سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد دخلت عبادة أم جعفر على أناس في يوم عيد أضحى تستمنح منهم جلد شاة تتدفأ به ، وسألوها عن أمرهم : فقالت : أذكر أصبحت في مثل هذا اليوم وإن على رأسي أربعمائة وصيفة ، وإني لأقول : إن ابني جعفرا عاق بي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 658 ] وروى الخطيب البغدادي أن سفيان بن عيينة لما بلغه قتل الرشيد جعفرا ، وما أحل بالبرامكة من النقمة استقبل القبلة وقال : اللهم إن جعفرا كان قد كفاني مئونة الدنيا فاكفه مئونة الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية