الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 264 ] 5 - باب

                                الغسل مرة واحدة

                                254 257 - نا موسى بن إسماعيل : نا عبد الواحد ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن كريب ، عن ابن عباس ، قال : قالت ميمونة : وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل ، فغسل يديه مرتين أو ثلاثا . ثم أفرغ على شماله ، فغسل مذاكيره . ثم مسح [يده] بالأرض ، ثم مضمض واستنشق ، وغسل وجهه ويديه . ثم أفاض على جسده ، ثم تحول من مكانه ، فغسل قدميه .

                                التالي السابق


                                مراده بهذا الحديث في هذا الباب أن ميمونة حكت غسل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تذكر في غسل شيء من أعضائه عددا إلا في غسل يديه في ابتداء الغسل - مع شك الراوي : هل كان غسلهما مرتين أو ثلاثا ؟ وهذا الشك هو من الأعمش كما سيأتي بيانه في رواية أخرى ، إن شاء الله تعالى .

                                وأطلقت الغسل في الباقي ، فظاهره أنه لم يكرر غسل شيء من جسده بعد ذلك ، لا في الوضوء ولا في الغسل بعده .

                                ولكن قد خرج البخاري هذا الحديث فيما بعد عن محمد بن محبوب ، عن عبد الواحد ، عن الأعمش - به ، وقال فيه بعد غسل وجهه ويديه : ( ثم غسل رأسه ثلاثا ، ثم أفرغ على جسده ) .

                                وخرجه في مواضع أخر ، من طرق أخرى ، عن الأعمش ، وذكر فيها غسل رأسه ، ولم يذكر عددا .

                                [ ص: 265 ] وقد تقدم أن وكيعا رواه عن الأعمش ، وذكر فيه : غسل وجهه ويديه ثلاثا ، وأفاض على رأسه ثلاثا .

                                وخرجه عنه الإمام أحمد .

                                وقد روى مسلم في ( صحيحه ) من حديث عيسى بن يونس ، عن الأعمش في هذا الحديث - أنه أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه .

                                وعلى هذه الروايات : إنما ينبغي أن يدخل هذا الحديث في الباب الماضي .

                                وقد اختلف العلماء في استحباب غسل البدن كله في الغسل من الجنابة ثلاثا :

                                فمنهم من استحبه ، وهو قول إسحاق بن راهويه وكثير من أصحابنا وأصحاب الشافعي وأبي حنيفة .

                                وروى وكيع في ( كتابه ) ، عن أبي مكين ، عن أبي صالح مولى أم هانئ ، عن أم هانئ ، قالت : إذا اغتسلت من الجنابة فاغسل كل عضو ثلاثا .

                                أبو صالح هو باذان ، وهو ضعيف جدا .

                                ورواه سمويه الحافظ : نا أحمد بن يحيى بن زيد بن كيسان : نا يزيد بن ذريع ، عن أبي مكين ، عن أبي صالح : حدثتني أم هانئ ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا اغتسل أحدكم فليغسل كل عضو منه ثلاث مرات ) يعني : الجنابة .

                                ورواية وكيع للموقوف أصح .

                                وروى الفضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، أن رجلا سأله عن الغسل من الجنابة ، فقال : ثلاثا . فقال الرجل : إن شعري كثير ! فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر شعرا منك وأطيب .

                                [ ص: 266 ] خرجه الإمام أحمد وابن ماجه .

                                وعطية ، هو العوفي - فيه ضعف مشهور .

                                [ولعله أراد الثلاث في] غسل الرأس ; ولهذا قال له السائل : إن شعري كثير .

                                وقد خرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في ( كتاب الصلاة ) له ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، قال : سأل رجل أبا سعيد الخدري : كم يكفي لغسل رأسه ؟ قال : ثلاث حفنات . وجمع يديه ، وذكر بقية الحديث .

                                ومما يستدل به على تكرار غسل الجسد في غسل الجنابة ما خرجه أبو داود ، من رواية حماد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : وأفرغ على رأسه ثلاثا ، فإذا فضلت فضلة صبها عليه .

                                والمراد : بعد الفراغ من غسل بقية جسده ، وإلا لم يكن لقولها : ( فإذا فضلت فضلة ) - معنى .

                                وروى وهيب هذا الحديث ، عن هشام ، وقال فيه : ( ثم أفاض الماء على جسده ، فإن بقي في الإناء شيء أفرغه عليه ) .

                                ورواه أيضا مبارك بن فضالة ، عن هشام - بنحوه .

                                [ ص: 267 ] خرجهما ابن جرير الطبري .

                                وقالت طائفة : لا يستحب تكرار غسل الجسد في غسل الجنابة ، وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي . وصرح به الماوردي من الشافعية ، وأصحاب مالك .

                                وحكى الإمام أحمد أن ابن عباس كان يغتسل من الجنابة سبع مرار . وقال : هو من حديث شعبة يعني : مولى ابن عباس ، مشهور عنه .

                                قال : وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يحفن على رأسه ثلاثا .

                                وهذا الحديث خرجه أبو داود من رواية ابن أبي ذئب ، عن شعبة - وهو مولى ابن عباس - أن ابن عباس كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرات ، ثم يغسل فرجه . فنسي مرة كم أفرغ ، فسألني : [كم أفرغت] ؟ قلت : لا أدري ، فقال : لا أم لك ، وما يمنعك أن تدري ؟ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يفيض على جلده الماء ، ويقول : هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتطهر .

                                وليس في هذه الرواية التسبيع في سوى غسل يده اليسرى قبل الاستنجاء ، ويحتمل أن المراد به التسبيع في غسل الفرج خاصة ، وهو الأظهر .

                                وشعبة مولى ابن عباس ، قال مالك : ليس بثقة ، وقال مرة : لا يشبه القراء ، وقال أحمد ويحيى : لا بأس به ، وقال يحيى مرة : لا يكتب حديثه . وقال النسائي والجوزجاني : ليس بالقوي في الحديث ، وقال ابن عدي : لم أر له حديثا منكرا جدا فأحكم له بالضعف ، وأرجو أنه لا بأس به .

                                [ ص: 268 ] ونقل حرب عن إسحاق أنه قال في غسل الجنابة : يغسل فرجه ثلاثا . وإن احتاج إلى الاستنجاء غسل مقعدته ثلاثا إلى السبع ، ولا يزيد على ذلك ، إلا أن لا ينقي .

                                وظاهر هذه الأحاديث يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفى بإفاضة الماء على جسده من غير ذلك .

                                وجمهور العلماء على أن التدلك في الطهارة غير واجب خلافا لمالك في المشهور عنه .



                                الخدمات العلمية