الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 77 ] 126 - باب: القنوت

                                764 797 - حدثنا معاذ بن فضالة، نا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: لأقربن لكم صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-. فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء، وصلاة الصبح، بعدما يقول: " سمع الله لمن حمده " فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار.

                                765 798 - حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، نا إسماعيل، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كان القنوت في المغرب والفجر.

                                التالي السابق


                                ليس مقصود البخاري بهذا الباب ذكر القنوت؛ فإن القنوت قد أفرد له بابا في أواخر " أبواب الوتر "، ويأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله سبحانه وتعالى.

                                إنما مراده بتخريج هذين الحديثين في هذا الباب: أن المصلي يشرع له بعد أن يقول: " سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد " أن يدعو، ولا يقتصر على التسميع والتحميد خاصة.

                                وقد وردت أحاديث صريحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أنه كان يزيد في الثناء على التسميع والتحميد، ولم يخرجها البخاري ، فإنها ليست على شرطه، وخرج مسلم كثيرا منها.

                                فخرج من حديث علي ، أنه وصف صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر فيها: قال: [ ص: 78 ] وإذا رفع من الركوع قال: " اللهم، ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد ".

                                وفي رواية أخرى له: " سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد " إلى آخره.

                                وخرج - أيضا - من رواية قيس بن سعد ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: " اللهم، ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".

                                وخرج - أيضا - من حديث الأعمش ، عن عبيد بن الحسن ، عن ابن أبي أوفى ، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع ظهره من الركوع قال: " سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد ".

                                وخرجه من حديث شعبة ، عن عبيد ، عن ابن أبي أوفى ، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهذا الدعاء، ولم يذكر فيه: رفع رأسه من الركوع.

                                ورجح الإمام أحمد رواية شعبة ، وقال: أظن الأعمش غلط فيه.

                                يعني: في ذكره: أنه كان يقوله بعد رفع رأسه من الركوع.

                                وقد بين ذلك أبو داود في " سننه "، وبسط القول فيه.

                                وفي رواية لمسلم زيادة: " اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم [ ص: 79 ] طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ ".

                                وليس في هذه الرواية: ذكر رفع رأسه من الركوع أيضا.

                                وخرج مسلم - أيضا - من حديث قزعة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: " ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".

                                وفي إسناده بعض اختلاف، وروي مرسلا.

                                وفي الباب أحاديث أخر، ليست أسانيدها بالقوية.

                                وقد استحب الشافعي وإسحاق قول هذه الأذكار المروية بعد التسميع والتحميد في الصلاة المكتوبة وغيرها.

                                ولم يستحب الكوفيون الزيادة على التسميع والتحميد في الصلاة المكتوبة، وحملوا ما ورد في الزيادة عليها على صلاة النافلة.

                                وظاهر مذهب الإمام أحمد : أن الإمام والمنفرد يقول كل منهما بعد التحميد: " ملء السماوات والأرض "، إلى قوله: " من شيء بعد " في الصلاة المفروضة وغيرها.

                                وأما المأموم فيقتصر على قول: " ربنا ولك الحمد ".

                                قيل لأحمد : فيزيد - يعني الإمام والمنفرد - على هذا، فيقول: " أهل الثناء والمجد "؟ قال: قد روي ذلك، وأما أنا فإني أقول إلى " ملء ما شئت من شيء بعد " يعني: لا يزيد عليه.

                                وحكي عن أحمد رواية أخرى: أنه يستحب قولها في المكتوبة - أيضا - [ ص: 80 ] وهي اختيار أبي حفص العكبري .

                                ومن أصحابنا من قال: من اكتفى في ركوعه وسجوده بأدنى الكمال من التسبيح لم يستحب له الزيادة على ذلك، ومن زاد على ذلك في التسبيح استحب له قولها؛ لتقع أركان الصلاة متناسبة في طولها وقصرها، وحمل فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لها وتركه على مثل ذلك.

                                وعن أحمد رواية: أن المأموم يستحب له أن يأتي بالتحميد وما بعده من الدعاء، كالإمام والمنفرد، غير أنه لا يأتي بالتسميع، ورجحها بعض أصحابنا المتأخرين.



                                الخدمات العلمية