الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 274 ] 8 - باب

                                مسح اليد بالتراب ليكون أنقى

                                257 260 - ثنا عبد الله بن الزبير الحميدي : ثنا سفيان : ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن كريب ، عن ابن عباس ، عن ميمونة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة ، فغسل فرجه بيده . ثم دلك بها على الحائط ، ثم غسلها . ثم توضأ وضوءه للصلاة ، فلما فرغ من غسله غسل رجليه .

                                التالي السابق


                                هذا الحديث قد سبق بألفاظ أخر ، وقد خرجه في الباب الماضي ، ولفظه ( ثم غسل فرجه ، ثم قال بيده على الأرض ، فمسحها بالتراب ) .

                                وقد خرجه - فيما بعد - من حديث أبي عوانة ، عن الأعمش . وقال في حديثه : ( ثم دلك يده بالأرض ، أو بالحائط ) .

                                وخرجه - أيضا - من رواية الفضل بن موسى ، عن الأعمش . وفي حديثه ( ثم ضرب يده بالأرض - أو الحائط - مرتين أو ثلاثا ) .

                                وخرجه مسلم من حديث عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، وعنده ( ثم ضرب بشماله الأرض ، فدلكها دلكا شديدا ) .

                                فقد تضمن هذا الحديث أن المستنجي يدلك يده بالتراب ، ثم يغسلها .

                                وقد روي مثل هذا في حديث عائشة أيضا .

                                [ ص: 275 ] خرجه أبو داود من حديث الأسود ، عنها .

                                وخرج أيضا من رواية الشعبي ، قال : قالت عائشة : لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحائط ، حيث كان يغتسل من الجنابة .

                                وفي رواية للنسائي ، من حديث عطاء بن السائب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة - أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل يده اليسرى بعد غسل فرجه . لكن شك راويها فيها .

                                وقد روي نحو ذلك في الاستنجاء قبل الوضوء في غير غسل الجنابة أيضا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ، ثم دلك يده بالأرض .

                                وقد خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث إبراهيم بن جرير البجلي ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة .

                                وخرجه ابن ماجه أيضا ، والنسائي من حديث إبراهيم بن جرير ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال النسائي : هو أشبه بالصواب .

                                وإبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه شيئا ، قاله ابن معين وغيره .

                                وهذا السياق الذي خرجه البخاري في هذا الباب مختصرا ، والسياق الذي خرجه في الباب الذي قبله أتم منه .

                                [ ص: 276 ] وفيه أنه صلى الله عليه وسلم غسل يديه ، ثم غسل فرجه ، ثم مسح يده بالتراب ، ثم غسلها .

                                فاقتضى ذلك استحباب غسل اليدين قبل الاستنجاء ، ثم غسل اليد اليسرى بعد .

                                وقال الثوري وإسحاق : إذا اغتسل من الجنابة غسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل فرجه ، ثم دلك يده بالأرض . ثم يغسل يديه ثلاثا ، ثم يتوضأ .

                                وليس هذا في حديث ميمونة ، ولا في حديث عائشة ، إلا في رواية الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عائشة . وعن عمرو بن سعد ، عن نافع ، عن عمر . وقد سبق لفظها ، وهي مروية بالمعنى كما تقدم .

                                وروي عن ابن عمر من قوله في صفة غسل الجنابة أنه يغسل يديه ثلاثا ، ثم يغسل فرجه . ثم يضرب بيده على الحائط ، ثم يغسلها ، ثم يتوضأ . خرجه إبراهيم بن مسلم في ( كتاب الطهور ) .

                                ونص الإمام أحمد على أن المستنجي يغسل يديه قبل الاستنجاء ، ثم إذا استنجى فإنه يغسل يديه ويتوضأ .

                                ولعل هذا لا يحتاج إليه قبل الاستنجاء إذا كان يريد أن يدخل يديه في الإناء ; ليصب على فرجه منه ، فإذا كان الماء في مثل الإداوة ونحوها يصب منه على فرجه فلا حاجة له إلى غسله يديه قبل الاستنجاء .

                                ونص أحمد في إعادة غسل اليدين ثلاثا بعد الاستنجاء إنما هو في الوضوء [ ص: 277 ] من غير الجنابة ; فإن الوضوء من الحدث الأصغر ينتقض بمس الفرج ; فلذلك لا [...] فيه على غسل اليدين قبله . وأما غسل الجنابة فإذا غسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل فرجه - لم يحتج إلى إعادة غسل يديه بعده ; لأن مس الفرج لا يؤثر في غسل الجنابة ; فإنه من حين نوى وسمى وغسل كفيه ثلاثا [قد بدأ] غسل الجنابة ، ولذلك لا يحتاج إلى إعادة غسل فرجه عند غسل جسده ، بل يكتفى بغسله أولا .

                                وقد نقل جعفر بن محمد ، عن أحمد ، في الجنب يتوضأ قبل أن ينام ، ثم يقوم يغتسل ولا يتوضأ ، فرأى أن ذلك يجزئه .

                                ولعل مراده يجزئه غسل أعضاء الوضوء أولا ، عن غسلها في الجنابة ثانيا . ويحتمل أن مراده أن الغسل وحده يجزئ بلا وضوء ، ويرتفع به الحدثان .

                                وقد روي عن ابن سيرين في الجنب يحدث بين ظهراني غسله من الجنابة . قال : الغسل من الجنابة ، والوضوء من الحدث .

                                وعن الحسن في الجنب يغسل بعض جسده ، ثم يبول ؟ قال : يغسل ما بقي من جسده . خرجه الخلال في ( الجامع ) من طريق حنبل .

                                قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : يبدأ فيتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يغتسل ; لأن الغسل يأتي على طهارة الوضوء ، وهذا حدث يوجب الوضوء .

                                وظاهر كلام أحمد وابن سيرين أنه يعيد الوضوء والغسل ; ليأتي بسنة [ ص: 278 ] الغسل بكاملها ، وتقديم الوضوء على الغسل ، وليس ذلك على الوجوب .

                                وروي أيضا عن ابن عمر ، بإسناد فيه ضعف - أنه يعيد الغسل . خرجه ابن أبي شيبة .

                                وأما الحسن فمراده أن ما مضى من الغسل لم يبطل بالبول ، وأنه إذا أكمله فقد ارتفع حدث الجنابة ، ولكن لا يصلي حتى يتوضأ .

                                وكذا قال سفيان الثوري : يتم غسله ، ثم يعيد الوضوء .

                                وحكى ابن المنذر مثل هذا عن عطاء وعمرو بن دينار .

                                قال : وهو يشبه مذهب الشافعي .

                                وحكى عن الحسن أنه يستأنف الغسل .

                                وهذا خلاف ما رواه الخلال بإسناده عنه .

                                وما ذكره أنه يشبه مذهب الشافعي قد قيل : إن الشافعي نص عليه في ( الأم ) .

                                ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف ، وإنما أمر من أمر بإعادة الغسل استحبابا ; ليقع الوضوء قبل الغسل ، كما استحب أحمد للحائض إذا اغتسلت بالماء وحده ، ثم وجدت السدر - أن تعيد الغسل بماء وسدر ; لتأتي بالغسل على الوجه الكامل .

                                فإن قيل : هذا يلزم منه استحباب تجديد الغسل - قلنا : إنما أعيد لنقص وقع في الأول ، فاستحب إعادته على وجه الكمال .

                                قال أصحابنا : وإذا غسل بعض جسده ناويا به رفع الحدثين ارتفع حدثهما . فإذا انتقض وضوءه ، وأعاده - لزمه الترتيب والموالاة فيما ارتفع عنه [ ص: 279 ] حدث الجنابة خاصة ، وما لم يرتفع عنه حدث الجنابة من أعضاء الوضوء لا يلزم فيه ترتيب ولا موالاة ، بل يرتفع حدثه تبعا لحدث الجنابة .



                                الخدمات العلمية