الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( من قبل هدى للناس ) .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( من قبل هدى للناس ) .

                                                                                                                                                                                                                                            فاعلم أنه تعالى بين أنه أنزل التوراة والإنجيل قبل أن أنزل القرآن ، ثم بين أنه إنما أنزلهما هدى للناس ، قال الكعبي : هذه الآية دالة على بطلان قول من يزعم أن القرآن عمى على الكافرين وليس بهدى لهم ، ويدل على معنى قوله ( وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] أن عند نزوله اختاروا العمى على وجه المجاز ، كقول نوح عليه السلام ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) [ نوح : 6 ] لما فروا عنده .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن قوله ( هدى للناس ) فيه احتمالان : الأول : أن يكون ذلك عائدا إلى التوراة والإنجيل فقط ، وعلى هذا التقدير يكون قد وصف القرآن بأنه حق ، ووصف التوراة والإنجيل بأنهما هدى والوصفان متقاربان .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : إنه وصف القرآن في أول سورة البقرة بأنه هدى للمتقين ، فلم لم يصفه هاهنا به ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : فيه لطيفة ، وذلك لأنا ذكرنا في سورة البقرة أنه إنما قال : ( هدى للمتقين ) [ البقرة : 2 ] لأنهم هم المنتفعون به ، فصار من الوجه هدى لهم لا لغيرهم ، أما هاهنا فالمناظرة كانت مع النصارى ، وهم لا يهتدون بالقرآن فلا جرم لم يقل هاهنا في القرآن إنه هدى بل قال : إنه حق في نفسه سواء قبلوه أو لم يقبلوه ، وأما التوراة والإنجيل فهم يعتقدون في صحتهما ويدعون بأنا إنما نتقول في ديننا عليهما فلا جرم وصفهما الله تعالى لأجل هذا التأويل بأنهما هدى ، فهذا ما خطر بالبال والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 140 ] القول الثاني : وهو قول الأكثرين : أنه تعالى وصف الكتب الثلاثة بأنها هدى ، فهذا الوصف عائد إلى كل ما تقدم وغير مخصوص بالتوراة والإنجيل والله أعلم بمراده .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية