الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصائم يأكل أو يشرب ناسيا

                                                                                                          721 حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج بن أرطاة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن عوف عن ابن سيرين وخلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو نحوه قال وفي الباب عن أبي سعيد وأم إسحق الغنوية قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق وقال مالك بن أنس إذا أكل في رمضان ناسيا فعليه القضاء والقول الأول أصح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( من أكل أو شرب ناسيا ) أي أنه في الصوم ( فلا يفطر ) وفي رواية للبخاري : فليتم صومه ( فإنما هو رزق رزقه الله ) وفي رواية البخاري : فإنما أطعمه الله وسقاه

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي سعيد وأم إسحاق الغنوية ) أما حديث أبي سعيد فلم أقف عليه ، وأما حديث أم إسحاق فأخرجه أحمد بلفظ : أنها كانت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت أنها كانت صائمة ، فقال لها ذو اليدين : الآن بعدما شبعت؟ فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- : " أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك " انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيره ، قال : ومن المستظرفات ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن إنسانا جاء إلى أبي هريرة فقال : أصبحت صائما فنسيت فطعمت ، قال : لا بأس ، قال : ثم دخلت على إنسان فنسيت فطعمت وشربت ، قال : لا بأس الله أطعمك وسقاك ، ثم قال دخلت على آخر فنسيت فطعمت قال أبو هريرة : أنت إنسان لم تتعود الصيام .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                          قوله : ( وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ) وهو قول أبي حنيفة ، فهؤلاء كلهم يقولون إن من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة واحتجوا [ ص: 340 ] بحديث الباب ( وقال مالك بن أنس : إذا أكل في رمضان ناسيا فعليه القضاء ) وأجاب بعض المالكية عن حديث الباب بأنه محمول على صوم التطوع .

                                                                                                          وقال القرطبي : احتج به من أسقط القضاء ، وأجيب بأنه لم يتعرض فيه للقضاء فيحمل على سقوط المؤاخذة ؛ لأن المطلوب صيام يوم لا جزم فيه ، لكن روى الدارقطني فيه سقوط القضاء وهو لا يقبل الاحتمال ، لكن الشأن في صحته فإن صح وجب الأخذ به وسقط القضاء ، انتهى . وقال المهلب وغيره : لم يذكر في الحديث إثبات القضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الإثم عنه وبقاء نيته التي بيتها ، انتهى .

                                                                                                          والجواب عن ذلك كله بما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ : " من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة " ، فعين رمضان وصرح بإسقاط القضاء ، ذكره الحافظ في فتح الباري ، وقال بعد ذكر طرق هذا الحديث : فأقل درجات هذا الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به ، وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة ، ويعتضد أيضا بأنه قد أتى به جماعة من الصحابة من غير مخالفة لهم منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر ، ثم هو موافق لقوله تعالى : ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم فالنسيان ليس من كسب القلب ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( والأول أصح ) أي القول الأول أصح من قول مالك وتقدم وجه كونه أصح آنفا .




                                                                                                          الخدمات العلمية