الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1393 (4) كتاب الجمعة

                                                                                              (1) باب

                                                                                              فضل الغسل للجمعة وتأكيده ، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

                                                                                              [ 712 ] عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 9 و 35 و 330)، والبخاري (894)، ومسلم (844)، والترمذي (492)، والنسائي (3 \ 93 و 105)، وابن ماجه (1088) .

                                                                                              [ ص: 478 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 478 ] (4)

                                                                                              كتاب الجمعة

                                                                                              (1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده

                                                                                              قوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم : ظاهر في وجوب غسل الجمعة ، وبه قال أهل [ ص: 479 ] الظاهر ، وحكي عن بعض الصحابة ، وعن الحسن ، وحكاه الخطابي عن مالك ، ومعروف مذهبه وصحيحه : أنه سنة ، وهو مذهب عامة أئمة الفتوى ، وحملوا تلك الأحاديث على أنه واجب وجوب السنن المؤكدة ، ودلهم على ذلك أمور :

                                                                                              أحدها : قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى الجمعة ، فاستمع وأنصت ; غفر له ، فذكر فيه الوضوء ، واقتصر عليه دون الغسل ، ورتب الصحة والثواب عليه . فدل على أن الوضوء كاف من غير غسل ، وأن الغسل ليس بواجب .

                                                                                              وثانيها : قوله - صلى الله عليه وسلم - لهم حين وجد منهم الريح الكريهة : لو اغتسلتم ليومكم هذا ؟! . وهذا عرض وتحضيض ، وإرشاد للنظافة المستحسنة ، ولا يقال مثل ذلك اللفظ في الواجب .

                                                                                              وثالثها : تقرير عمر والصحابة لعثمان - رضي الله عنهم - على صلاة الجمعة بالوضوء من غير غسل ، ولم يأمروه بالخروج ، ولم ينكروا عليه ، فصار ذلك كالإجماع منهم على أن الغسل ليس بشرط في صحة الجمعة ، ولا واجب .

                                                                                              ورابعها : ما يقطع مادة النزاع ، ويحسم كل إشكال : حديث الحسن ، عن سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل ، وهذا نص في موضع الخلاف ; غير أن سماع الحسن من سمرة مختلف فيه ، وقد صح عنه أنه سمع منه حديث العقيقة ، فيحمل حديثه عنه على السماع إلى أن يدل دليل على غير ذلك . والله تعالى أعلم .

                                                                                              وخامسها : أنه - عليه الصلاة والسلام - قد قال : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، وسواك ، ويمس من الطيب ما قدر عليه . وظاهر هذا وجوب [ ص: 480 ] السواك والطيب ، وليس كذلك بالاتفاق ، يدل على أن قوله : واجب . ليس على ظاهره ، بل المراد به ندب المؤكد ; إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب في لفظ "الواو" والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقول عمر : ما بال رجال يتأخرون بعد النداء : إنكار منه على عثمان تأخره عن وقت وجوب السعي ، ثم عذر عثمان حين اعتذر بقوله : ما زدت على أن توضأت ; يعني : أنه ذهل عن الوقت ، ثم تذكره ، فإذا به قد ضاق عن الغسل ، وكان ذهوله ذلك لعذر مسوغ .

                                                                                              وقول عمر - رضي الله عنه - : والوضوء أيضا ؟! : إنكار آخر على ترك السنة المؤكدة التي هي الغسل على جهة التغليظ ، حتى لا يتهاون بالسنن ، لا أنه كان يعتقد الغسل واجبا ، ويجوز في " الوضوء " النصب والرفع ، فالرفع على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، تقديره : الوضوء تقتصر عليه ، والنصب على أنه مفعول بإضمار فعل تقديره : أتخص الوضوء دون الغسل ؟! أو ما في معنى ذلك ، والواو عوض من همزة الاستفهام ; كما قال تعالى : (قال فرعون وآمنتم به) في قراءة ابن كثير .




                                                                                              الخدمات العلمية