الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 65 ] فتوى فيمن يدعي أن ثم غوثا وأقطابا وأبدالا [ ص: 66 ] [ ص: 67 ] سئل شيخ الإسلام مفتي الأنام حبر الأمة تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه، فيمن يدعي أن ثم غوثا وأقطابا وأبدالا وأولياء، وأن بهم يستسقى الغيث وتنزل الرحمة ويكشف العذاب، وإذا غضب الله على أحد من أهل الأرض وأراد أن ينزل غضبه، نظر إلى قلوب هؤلاء، فإن وجدهم راضين بذلك أنزل عذابه، وإلا رفعه، وكذلك الرحمة والنصر والرزق، وأن الغوث بمكة مقيم. ومن يدعي أن هؤلاء المولهين والبهاليل الذين لا يصلون، ولا يتوقون نجاسة ولا غيرها.

فأجاب رضي الله عنه قائلا:

الحمد لله رب العالمين. الذي دل عليه الكتاب والسنة، وعليه سلف الأمة وخلفها الصالحون المتبعون للسلف -: أن لله تعالى أولياء، كما له أعداء، وأولياء الله هم المنعوتون في قوله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم .

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره [ ص: 68 ] الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي. لئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه".

فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر أولياء الله أنه ما يقرب العباد إليه بمثل أداء الفرائض، ثم ذكر أنه لا يزال العبد يتقرب إليه بالنوافل بعد الفرائض، حتى يحبه، فيصير العبد يسمع بالله، ويبصر بالله، ويبطش بالله، ويمشي بالله، فيصير سمعه وبصره ومشيه وبطشه بيده لرضا الله ومحبته، فإنه لما في قلبه من محبة الله وموالاته وعبادته وطاعته، يصير قلبه منيبا إلى الله، ويصير ممن هداه الله واجتباه، فيجتبي قلبه إليه، ويقذف من نوره في قلبه، كما قال تعالى: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ، وقال تعالى: الله نور السماوات والأرض مثل نوره قال محمد بن كعب: مثل نوره في قلب المؤمن.

وقال تعالى: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا . فإذا جعل الله في قلبه من نوره صار بذلك النور يسمع ويبصر ويبطش ويمشي.

التالي السابق


الخدمات العلمية