الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أسا ]

                                                          أسا : الأسا ، مفتوح مقصور : المداواة والعلاج ، وهو الحزن أيضا . وأسا الجرح أسوا وأسا : داواه . والأسو والإساء . جميعا : الدواء ، والجمع آسية ، قال الحطيئة في الإساء بمعنى الدواء :


                                                          هم الآسون أم الرأس لما تواكلها الأطبة والإساء

                                                          والإساء ، ممدود مكسور : الدواء بعينه ، وإن شئت كان جمعا للآسي ، وهو المعالج كما تقول راع ورعاء . قال ابن بري : قال علي بن حمزة : الإساء في بيت الحطيئة لا يكون إلا الدواء لا غير . ابن السكيت : جاء فلان يلتمس لجراحه أسوا ، يعني دواء يأسو به جرحه . والأسو : المصدر . والأسو ، على فعول : دواء تأسو به الجرح . وقد أسوت الجرح آسوه أسوا أي داويته ، فهو مأسو وأسي أيضا على فعيل . ويقال : هذا الأمر لا يؤسى كلمه . وأهل البادية يسمون الخاتنة آسية كناية . وفي حديث قيلة : استرجع وقال رب أسني لما أمضيت وأعني على ما أبقيت ; أسني ، بضم الهمزة وسكون العين ، أي عوضني . والأوس : العوض ، ويروى : آسني ; فمعناه عزني وصبرني ; وأما قول الأعشى :


                                                          عنده البر والتقى وأسا الشق [ ص: 109 ]     ق وحمل لمضلع الأثقال

                                                          أراد : وعنده أسو الشق فجعل الواو ألفا مقصورة ، قال : ومثل الأسو والأسا اللغو واللغا ، وهو الشيء الخسيس . والآسي : الطبيب ، والجمع أساة وإساء . قال كراع : ليس في الكلام ما يعتقب عليه فعلة وفعال إلا هذا ، وقولهم رعاة ورعاء في جمع راع . والأسي : المأسو ; قال أبو ذؤيب :


                                                          وصب عليها الطيب حتى كأنها     أسي على أم الدماغ حجيج

                                                          وحجيج : من قولهم حجه الطبيب فهو محجوج . وحجيج إذا سبر شجته ، قال ابن بري : ومثله قول الآخر :


                                                          وقائلة : أسيت ! فقلت : جير     أسي ، إنني من ذاك إني

                                                          وأسا بينهم أسوا : أصلح . ويقال : أسوت الجرح فأنا آسوه أسوا إذا داويته وأصلحته . وقال المؤرج : كان جزء بن الحارث من حكماء العرب ، وكان يقال له المؤسي لأنه كان يؤسي بين الناس أي يصلح بينهم ويعدل . وأسيت عليه أسى : حزنت . وأسي على مصيبته ، بالكسر يأسى أسى ، مقصور ، إذا حزن . ورجل آس وأسيان : حزين . ورجل أسوان : حزين ، وأتبعوه فقالوا : أسوان أتوان ; وأنشد الأصمعي لرجل من الهذليين :


                                                          ماذا هنالك من أسوان مكتئب     وساهف ثمل في صعدة حطم

                                                          ، وقال آخر :


                                                          أسوان أنت لأن الحي موعدهم     أسوان كل عذاب دون عيذاب

                                                          وفي حديث أبي بن كعب : والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا ; الأسى ، مفتوحا مقصورا : الحزن ، وهو آس ، وامرأة آسية وأسيا ، والجمع أسيانون وأسيانات وأسييات وأسايا . وأسيت لفلان أي حزنت له . وسآني الشيء : حزنني ; حكاه يعقوب في المقلوب وأنشد بيت الحارث بن خالد المخزومي :


                                                          مر الحمول فما سأونك نقرة     ولقد أراك تساء بالأظعان

                                                          والأسوة والإسوة : القدوة . ويقال : ائتس به أي اقتد به وكن مثله . الليث : فلان يأتسي بفلان أي يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدي به وكان في مثل حاله . والقوم أسوة في هذا الأمر أي حالهم فيه واحدة . والتأسي في الأمور : الأسوة ، وكذلك المؤاساة . والتأسية : التعزية . أسيته تأسية أي عزيته . وأساه فتأسى : عزاه فتعزى . وتأسى به أي تعزى به . وقال الهروي : تأسى به اتبع فعله واقتدى به . ويقال : أسوت فلانا إذا جعلته أسوته ; ومنه قول عمر - رضي الله عنه - لأبي موسى : آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك أي سو بينهم واجعل كل واحد منهم إسوة خصمه . وتآسوا أي آسى بعضهم بعضا ; قال الشاعر :


                                                          وإن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا     فسنوا للكرام التآسيا

                                                          ، قال ابن بري : وهذا البيت تمثل به مصعب يوم قتل . وتآسوا فيه : من المؤاساة كما ذكر الجوهري ، لا من التأسي كما ذكر المبرد ، فقال : تآسوا بمعنى تأسوا ، وتأسوا بمعنى تعزوا . ولي في فلان أسوة وإسوة أي قدوة . وقد تكرر ذكر الأسوة والإسوة والمواساة في الحديث ، وهو بكسر الهمزة وضمها القدوة . والمواساة : المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق ; وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا . وفي حديث الحديبية : إن المشركين واسونا للصلح ; جاء على التخفيف وعلى الأصل جاء الحديث الآخر : ما أحد عندي أعظم يدا من أبي بكر آساني بنفسه وماله . وفي حديث علي - عليه السلام - : آس بينهم في اللحظة والنظرة . وآسيت فلانا بمصيبته إذا عزيته ، وذلك إذا ضربت له الأسى ، وهو أن تقول له ما لك تحزن . وفلان إسوتك أي أصابه ما أصابك فصبر فتأس به ، وواحد الأسى والإسى أسوة . وهو إسوتك أي أنت مثله ، وهو مثلك . وأتسى به : جعله أسوة . وفي المثل : لا تأتس بمن ليس لك بأسوة . وأسويته : جعلت له أسوة ; عن ابن الأعرابي : فإن كان أسويت من الأسوة كما زعم فوزنه فعليت كدربيت وجعبيت . وآساه بماله : أناله منه وجعله فيه أسوة ، وقيل : لا يك أبو بكر ون ذلك منه إلا من كفاف فإن كان من فضلة فليس بمؤاساة . قال : في قولهم ما يؤاسي فلان فلانا فيه ثلاثة أقوال ; قال المفضل بن محمد معناه ما يشارك فلان فلانا ، والمؤاساة المشاركة وأنشد :


                                                          فإن يك عبد الله آسى ابن أمه     وآب بأسلاب الكمي المغاور

                                                          ، وقال المؤرج : ما يؤاسيه ما يصيبه بخير من قول العرب آس فلانا بخير أي أصبه ، وقيل : ما يؤاسيه من مودته ولا قرابته شيئا مأخوذ من الأوس ، وهو العوض ، قال : وكان في الأصل ما يؤاوسه فقدموا السين ، وهي لام الفعل ، وأخروا الواو وهي عين الفعل ، فصار يؤاسوه ، فصارت الواو ياء لتحركها ، وانكسار ما قبلها وهذا من المقلوب ، قال : ويجوز أن يكون غير مقلوب فيكون يفاعل من أسوت الجرح . وروى المنذري عن أبي طالب أنه ، قال في المؤاساة واشتقاقها إن فيها قولين : أحدهما أنها من آسى يؤاسي من الأسوة ، وهي القدوة ، وقيل إنها من أساه يأسوه إذا عالجه وداواه ، وقيل : إنها من آس يئوس إذا عاض ، فأخر الهمزة ولينها ولكل مقال . ويقال : هو يؤاسي في ماله أي يساوي . ويقال : رحم الله رجلا أعطى من فضل وآسى من كفاف ، من هذا . الجوهري : آسيته بمالي مؤاساة أي جعلته أسوتي فيه ، وواسيته لغة ضعيفة . والأسوة والإسوة بالضم والكسر : لغتان ، وهو ما يأتسى به الحزين أي يتعزى به وجمعها أسى وإسى ; وأنشد ابن بري لحريث بن زيد الخيل :


                                                          ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعة     ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي

                                                          ثم سمي الصبر أسا . وأتسى به أي اقتدى به . ويقال : لا تأتس بمن [ ص: 110 ] ليس لك بأسوة أي لا تقتد بمن ليس لك بقدوة . والآسية : البناء المحكم . والآسية : الدعامة والسارية ، والجمع الأواسي ; قال النابغة :


                                                          فإن تك قد ودعت ، غير مذمم     أواسي ملك أثبتتها الأوائل

                                                          ، قال ابن بري : وقد تشدد أواسي للأساطين فيكون جمعا لآسي ، ووزنه فاعول مثل آري وأواري ; قال الشاعر :


                                                          فشيد آسيا فيا حسن ما عمر

                                                          ، قال : ولا يجوز أن يكون آسي فاعيلا لأنه لم يأت منه غير آمين . وفي حديث ابن مسعود : يوشك أن ترمي الأرض بأفلاذ كبدها أمثال الأواسي ، وهي السواري والأساطين ، وقيل : هي الأصل واحدتها آسية لأنها تصلح السقف وتقيمه ، من أسوت بين القوم إذا أصلحت . وفي حديث عابد بني إسرائيل : أنه أوثق نفسه إلى آسية من أواسي المسجد . وأسيت له من اللحم خاصة أسيا : أبقيت له . والآسية ، بوزن فاعلة : ما أسس من بنيان فأحكم أصله من سارية وغيرها . والآسية : بقية الدار وخرثي المتاع . وقال أبو زيد : الآسي خرثي الدار وآثارها من نحو قطعة القصعة والرماد والبعر ، قال الراجز :


                                                          هل تعرف الأطلال بالحوي     لن يبق من آسيها العامي
                                                          غير رماد الدار والأثفي

                                                          ، وقالوا : كلوا فلم نؤس لكم ، مشدد ، أي لم نتعمدكم بهذا الطعام . وحكى بعضهم : فلم يؤس أي لم تتعمدوا به . وآسية : امرأة فرعون . والآسي : ماء بعينه ; قال الراعي :


                                                          ألم يترك نساء بني زهير     على الآسي ، يحلقن القرونا ؟

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية