الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان

                                                                                                          738 حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرا فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشبه قولهم حيث قال صلى الله عليه وسلم لا تقدموا شهر رمضان بصيام إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم وقد دل في هذا الحديث أنما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا ) وفي رواية أبي داود وغيره : إذا انتصف شعبان ، وفي رواية : فلا صيام حتى يكون رمضان . قال القاري في المرقاة : والنهي للتنزيه رحمة على الأمة أن يضعفوا عن حق القيام بصيام رمضان على وجه النشاط . وأما من صام شعبان كله فيتعود بالصوم ويزول عنه الكلفة ولذا قيده بالانتصاف أو نهى عنه ؛ لأنه نوع من التقدم ، والله [ ص: 363 ] أعلم .

                                                                                                          قال القاضي : المقصود استجمام من لا يقوى على تتابع الصيام فاستحب الإفطار كما استحب إفطار عرفة ليتقوى على الدعاء ، فأما من قدر فلا نهي له ، ولذلك جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الشهرين في الصوم ، انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ في فتح الباري : قال كثير من الشافعية بمنع الصوم من أول السادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا : إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ، أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره .

                                                                                                          وقال الروياني من الشافعية : يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث : " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين " ، ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر . وقال جمهور العلماء : يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه ، وقال أحمد وابن معين : إنه منكر ، واستدل البيهقي بحديث الباب يعني " لا يتقدمن أحدكم شعبان بصوم يوم أو يومين " على ضعفه فقال : الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء وكذا منع قبله الطحاوي ، واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا : " أفضل الصيام بعد رمضان شعبان " . لكن إسناده ضعيف ، واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل : " هل صمت من سرد شعبان شيئا؟ " قال : لا ، قال : " فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين " ، ثم جمع بين الحديثين يعني بين حديث العلاء بن عبد الرحمن وبين حديث : " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين " ، بأن حديث العلاء على من يضعفه الصوم وحديث التقدم بصوم يوم أو يومين مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهو جمع حسن ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) وصححه ابن حبان وغيره : وقال أحمد وابن معين : إنه منكر . كما قال الحافظ في الفتح : قال أبو داود في سننه : وكان عبد الرحمن لا يحدث به قلت لأحمد لم؟ قال ؛ لأنه كان عنده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصل شعبان برمضان . وقال عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلافه قال أبو داود : وليس هذا عندي خلافه ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه ، انتهى .

                                                                                                          وقال المنذري في تلخيصه : حكى أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال : هذا حديث منكر ، قال : وكان عبد الرحمن يعني ابن مهدي لا يحدث به ، ويحتمل أن يكون الإمام أحمد إنما أنكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن فإن فيه مقالا لأئمة هذا الشأن .

                                                                                                          قال : والعلاء بن عبد الرحمن وإن كان فيه مقال فقد حدث عنه الإمام مالك مع شدة انتقاده للرجال وتحريه في ذلك ، وقد احتج به مسلم في صحيحه وذكر له أحاديث انفرد بها رواتها ، وكذلك فعل البخاري [ ص: 364 ] أيضا ، وللحفاظ في الرجال مذاهب فعل كل منهم ما أدى إليه اجتهاده من القبول والرد -رضي الله عنهم- ، انتهى كلام المنذري . قلت : الحق عندي أن الحديث صحيح ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( ما يشبه قوله ) أي قول بعض أهل العلم ( والمعنى أنه قد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ) مثل قوله : ( وهذا حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إلخ ) أي ما قلنا من أنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل قوله فلأنه -صلى الله عليه وسلم- قال إلخ ، فهذا إشارة إلى قوله : وقد روي إلخ ، وحيث تعليلية ، وقال بعضهم : وهذا أي كراهة الأخذ في الصوم لحال رمضان ؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال إلخ ، وقيل : وهذا أي دليل كراهة الأخذ في الصوم لحال رمضان حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إلخ ، والظاهر هو ما قلنا ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية