الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 458 ] ولا يستقيم هذا الكلام إلا إذا كان معنى نفسه هو ذاته، وهو ظاهر الكلام بل نصه، لا يفهم منه غير ذلك، وحينئذ فنتكلم مع الطائفتين:

أما قوله: من جعلها صفة فالنزاع معه لفظي، فإنا لا ننازعه أن هذا الاسم يستلزم ثبوت صفة زائدة على مسمى الذات كالحياة والفعل، ولكن المسمى هو الذات الموصوفة بذلك لا نفس الصفة.

فأما جعل لفظ النفس اسما لنفس الصفة فيقال: هذا قول بلا دليل أصلا؛ لأنه ليس ظاهر الخطاب فضلا عن أن يكون نصه مقتضيا أنها صفة ليست هي الله، ومن زعم أن هذا ظاهر النصوص فهو مبطل في ذلك كما أن من زعم أن ظاهرها يجب تأويله فهو مبطل في ذلك، وقد قدمنا أن كثيرا من الناس يغلطون في دعواهم على النصوص أن ظاهرها [ ص: 459 ] كذا، سواء أقروه أو صرفوه، فإنه لا يكون ذلك ظاهر النص، وكل من سمع هذا الخطاب ابتداء فإنه يفهم منه ابتداء أنه هو نفسه لا أنها صفة له.

الوجه الثاني: أنه قال: كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام: 54] فكما أنه لا يكتبها على غيره فلا يكتبها على صفة من صفاته، إنما يكتبها على نفسه.

الوجه الثالث: أنه قال: «سبحان الله رضاء نفسه» وصفات الله لا يكون لها رضا إنما الرضا له نفسه هو الذي يرضى ويسخط.

الوجه الرابع: قوله: ويحذركم الله نفسه [آل عمران: 28] فكما أنه لا يحذر بعض مخلوقاته لا يحذر صفاته كالحياة ونحوها، بل هو نفسه هو الذي يخاف ويرجى ويتقى ويعبد، وهم لا يمكنهم أن يقولوا: نفسه هي صفة الغضب ونحو ذلك دون غيرها، بل يجهلونها نظير الحياة والبقاء [ ص: 460 ] كما ذكروه، وهذه الصفة تتعلق بالرضا والغضب، ومعلوم أن الله لا يحذر عباده حياته وبقاءه ونحو ذلك ولا بنفي ذلك.

الوجه الخامس: قوله لموسى: واصطنعتك لنفسي [طه: 41] إنما اصطنعه لذاته لا لصفة له كالحياة والبقاء كما لم يصطنعه لشيء من خلقه.

الوجه السادس: قول المسيح عليه السلام: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك [المائدة: 116] فقد وصف النفس بأن فيها علما، والعلم وسائر الصفات إنما تقوم بالله نفسه لا تقوم بصفة كالحياة ونحوها.

الوجه السابع: قوله: تعلم ما في نفسي فإن المراد به هو نفسه ليس المراد به صفة من صفاته؛ إذ علمه لا يقوم إلا به، نفسه وذاته وعينه لا تقوم بصفة من صفاته ولا أعلم ما في نفسك فإن لفظهما سواء، وقد خرج على وجه المقابلة.

التالي السابق


الخدمات العلمية