الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 561 ] الوجه التاسع: أن يقال له: ليس للمتكلم أن يريد باللفظ ما ليس هو حقيقة اللفظ ومسماه، بل هو مجاز إلا بقرينة تبين المراد، وإلا فالتكلم بالمجاز بدون القرينة ممتنع باتفاق الناس، وهو بمنزلة أن يراد باللفظ ما لم يوضع له في اللغة، كما لو أراد بلفظ السماء الأرض، وبلفظ الشمس البحر، ونحو ذلك.

ومن المعلوم أن الله ورسوله لم يقرن بهذا الخطاب قط قرينة لا متصلة ولا منفصلة تصرف الناس عن اعتقاد مدلول هذه السورة، ولا قال أحد من سلف الأمة وأئمتها أن اسم الصمد في حق الله ليس على ظاهره، ولا أنكم لا تعتقدون من اسم الصمد ظاهره، بل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لهذه السورة وقوله: «إنها تعدل ثلث القرآن» وغير ذلك - يقرر مضمونها ويثبت معناها ومدلولها.

الوجه العاشر: أن ما ذكره من الأدلة العقلية التي تجعلها قرينة صارفة لظاهر اسم الصمد إما أن تكون حقا أو باطلا.

[ ص: 562 ] فإن كانت باطلا لم يصح أن يصرف اسم الله عز وجل عن مقتضاه ومعناه.

وإن كانت حقا فلا ريب أنها خفية وأنها مشتبهة، وأن فيها نزاعا بين الآدميين، وأنها لا تعلم إلا بنظر طويل، وبحث كثير، ومن المعلوم أن المتكلم بالكلام الذي له معنى ظاهر لا يجوز أن يريد خلاف ظاهره لمثل هذه الدلالة، لا سيما في حق الرسول الذي بلغ البلاغ المبين.

الوجه الحادي عشر: أنه لا ريب أن الله قد أمر بتلاوة هذه السورة لجميع العباد، ورغبهم في تكرير تلاوتها في الصلاة وخارج الصلاة حتى إن تلاوتها وقراءتها من أعظم شعائر الإسلام وأظهرها عند الخاص والعام فإن كان معناها الظاهر باطلا وضلالا كيف يجوز الإمساك عن بيان مثل ذلك، وترك العباد في هذه المهالك، وقد قال الله تعالى: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [التوبة: 115] [ ص: 563 ]

الوجه الثاني عشر: أنه مع الأمر بقراءتها وتكرير ذلك في الصلاة وخارج الصلاة ومع تعظيم فضيلتها واشتهار ذلك في العامة والخاصة: هل يجوز أن يكون ظاهرها ضلالا ومحالا وكفرا ولا يتكلم بذلك أحد من سلف الأمة في التوحيد وصفات الرب المعبود؟! سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

الوجه الثالث عشر: أن ما ذكره من الدلالة العقلية لم تظهر في الأمة إلا بعد انقراض عصر الصحابة، وأكابر التابعين، بل وأئمتهم، أي: من زمن بشر المريسي، ولما أظهر مقالته كفره أئمة الإسلام، كفره سفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وعباد بن العوام، وعلي بن عاصم، ويحيى بن [ ص: 564 ] سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وشبابة بن سوار، والأسود بن عامر، ويزيد بن هارون، وبشر بن الوليد، ومحمد بن [ ص: 565 ] يوسف بن الطباع، وسليمان بن حسان الشامي، ومحمد ويعلى ابنا عبيد الطنافسيان، وعبد الرزاق بن همام، وأبو قتادة الحراني، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، [ ص: 566 ] ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وبشر بن الحارث، ومحمد بن مصعب، وأبو البختري وهب بن وهب قاضي بغداد، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الله بن الزبير [ ص: 567 ] الحميدي، وعلي بن المديني، وعبد السلام بن صالح الهروي، والحسن بن علي الحلواني، وغير هؤلاء فكيف يجوز أن يكون الصارف لكلام الله عن ظاهره ما لم يظهر في الإسلام إلا من جهة من أحدث ذلك فكفره أئمة الإسلام.

التالي السابق


الخدمات العلمية