الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 120 ] 351 - عروة بن رويم

              قال الشيخ رحمه الله : ومنهم عروة بن رويم اللخمي .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة ، ثنا أبو المغيرة ، ح . وحدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو يحيى الرازي ، ثنا هناد بن السري ، ثنا وكيع ، قالا : ثنا الأوزاعي ، عن عروة بن رويم اللخمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيار أمتي الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، والذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساءوا استغفروا ، وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغنوا به ، وإنما نهمتهم ألوان الطعام والثياب ويتشدقون في الكلام " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا علي بن سعيد العسكري ، ثنا يعقوب الدورقي ، ثنا هشام بن المفضل الفزاري ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، عن عروة ، قال : " لما احتضر موسى - عليه السلام - قالت له امرأته : إني معك منذ أربعين سنة فمتعني من وجهك بنظرة ، قال : وكان على وجه موسى البرقع لما غشي وجهه من نور العرش يوم تجلى ربه للجبل ، فكان إذا كشف عن وجهه غشيت الأبصار ، قال : فكشف لها عن وجهه فغشي بصرها ، فقالت : سل الله أن يزوجنيك في الجنة ، قال : إن أحببت ذلك فلا تتزوجي بعدي ، ولا تأكلي من رشح جبينك ، قال : فكانت تبرقع بعده تتبع اللقاط فإذا رآها الحصادون تحاطوا لها ، فإذا أحست ذلك تركته .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبدان بن أحمد ، ثنا ابن الطباع ، ثنا أحمد بن المفضل ، عن الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن عروة بن رويم ، قال : قالت الصفراء امرأة موسى : بأبي أنت وأمي ، أنا أيم منك منذ كلمك ربك ، فكان موسى - عليه السلام - لا يأتي النساء منذ كلمه الله ، وكان قد ألبس على وجهه حريرة [ ص: 121 ] أو برقعا ، فكان أحد لا ينظر إليه إلا مات ، فكشف لها عن وجهه فأخذها من غشيته مثل شعاع الشمس ، فوضعت يدها على وجهها وخرت لله ساجدة ، فقالت : ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة ، قال : لك ذلك إن لم تتزوجي بعدي ، فإن المرأة لآخر أزواجها ، قالت : فأوصني ، قال : لا تسألي الناس شيئا .

              حدثنا أحمد بن السندي ، ثنا الحسن بن علويه القطان ، ثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، ثنا إسحاق بن وهب ، ثنا الأوزاعي ، وأبو بكر الهذلي ، ومحمد بن الفضل ، عن سليمان الأعمش ، عن عروة ، عن خالد بن يزيد القرشي ، قال : كانت لي حاجة بالجزيرة فاتخذتها طريقا مستخفيا ، قال : فبينا أنا أسير بين أظهرهم إذا بشمامسة ورهبان - وكان رجلا لبيبا لسنا ذا رأي - قال : فقلت لهم : ما جمعكم هاهنا ؟ قالوا : إن لنا شيخا سياحا نلقاه في كل عام في مكاننا هذا مرة ، فنعرض عليه ديننا وننتهي فيه إلى رأيه ، قال : وكنت رجلا معنيا بالحديث ، فقلت : لو دنوت من هذا فلعلي أسمع منه شيئا أنتفع به ، قال : فدنوت منه ، فلما نظر إلي قال :ما أنت من هؤلاء ؟ قلت : أجل ، قال : من أمة أحمد ؟ قلت : نعم ، قال : من علمائهم أنت أو من جهالهم ؟ قلت : لست من علمائهم ولا من جهالهم ، قال : ألستم تزعمون في كتابكم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ؟ قال : قلت : نعم ، قال : نقول ذلك وهو كذلك . قال : فإن لهذا مثلا في الدنيا ، فما هو ؟ قلت : مثل هذا الصبي في بطن أمه يأتيه رزق الرحمن بكرة وعشيا ولا يبول ولا يتغوط ، قال : فتربد وجهه ، وقال لي : ألم تزعم أنك لست من علمائهم ؟ قال : قلت بلى ، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم ، ثم قال لي : ألستم تزعمون أنكم تأكلون وتشربون ولا ينقص مما في الجنة شيئا ؟ قال : نقول ذلك وهو كذلك ، قال : فإن لهذا مثلا في الدنيا ، فما هو ؟ قلت : مثل رجل أعطاه الله علما وحكمة وعلمه كتابه ، فلو اجتمع جميع من خلق الله فتعلموا منه - ما نقص من علمه شيئا ، قال : فتربد وجهه ، قال : ألم تزعم أنك لست من علمائهم ؟ قال : قلت : أجل ، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم .

              فقال لي : ألستم تقولون في صلاتكم : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ؟ [ ص: 122 ] قال : قلت : بلى ، قال : فلهى عني ، ثم أقبل على أصحابه ، فقال : ما بسط لأحد من الأمم ما بسط لهؤلاء من الخير ، إن أحدا من هؤلاء إذا قال في صلاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لم يبق عبد صالح في السماوات والأرض إلا كتب الله له به عشر حسنات ، ثم قال لي : ألستم تستغفرون للمؤمنين والمؤمنات ؟ [ قال : قلت : بلى ، قال لأصحابه : إن أحد هؤلاء إذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات [ لم يبق عبد لله مؤمن في السماوات من الملائكة ولا في الأرض من المؤمنين ولا من كان على عهد آدم أو من هو كائن إلى يوم القيامة إلا كتب الله له به عشر حسنات ، قال : ثم أقبل علي ، فقال لي : إن لهذا مثلا في الدنيا ، فما هو ؟ قلت : كمثل رجل مر بملأ ، كثيرا كانوا أو قليلا ، فسلم عليهم فردوا عليه أو دعا لهم فدعوا له ، قال : فتربد وجهه ، فقال : ألم تزعم أنك لست من علمائهم ؟ قال : قلت : أجل ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم ، فقال لي : ما رأيت من أمة محمد من هو أعلم منك ، سلني عما بدا لك . قال : فقلت : كيف أسأل من يزعم أن لله ولدا ؟ قال : فشق عن مدرعته حتى أبدى عن بطنه ، ثم رفع يديه ، فقال : لا غفر الله لمن قالها ، منها فررنا واتخذنا الصوامع . فقال لي : إني سائلك عن شيء ، فهل أنت مخبري ؟ قال : قلت : نعم ، قال : أخبرني هل بلغ ابن القرن فيكم أن يقوم إليه الناشئ أو الطفل فيشتمه ويتعرض لضربه ولا يغير ذلك عليه . قال : قلت : نعم ، قال : ذاك حين رق دينكم واستحببتم دنياكم وآثرها من آثرها منكم ، فقال رجل من القوم : ابن كم القرن ؟ قلت : إنما أنا ابن ستين سنة وأما هو فقال ابن سبعين سنة ، فقال رجل من جلسائه : يا أبا هشيم ما كان يسرنا أن يكون أحد من هذه الأمة لقيه غيرك .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن عبد الوهاب ، ثنا أبو المغيرة ، ثنا الأوزاعي ، ثنا عروة ، قال : من ركع ركعتي الفجر ثم صلى صلاة الصبح في جماعة ، كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار ، وكتب يومئذ في وفد المتقين . هكذا رواه الأوزاعي من قبله ، وعاصم بن رجاء بن حيوة ، ورواه عن عروة [ ص: 123 ] موصولا مرفوعا .

              أخبرنا القاضي أبو أحمد - في كتابه - ثنا موسى بن إسحاق ، ثنا محمد بن بكار ، ثنا فرج بن فضالة ، عن عروة : أن عيسى - عليه السلام - دعا ربه ، فقال : يا رب ، أرني موضع الشيطان من ابن آدم فجلى له ذلك ، فإذا له رأس كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب ، فإن ذكر الله خنس ، وإن ترك الذكر مناه وحدثه . قال : فذلك قوله ( من شر الوسواس الخناس ) .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن سليمان ، ثنا محمد بن خلف العسقلاني ، ثنا الفريابي ، عن الأوزاعي ، عن عروة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير هذه الأمة أولها وآخرها ، أولها فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآخرها فيهم عيسى ابن مريم ، وبين ذلك ثبج أعوج ليس منك ولست منهم " .

              أسند عروة عن علي ، وجابر ، وأنس ، وأبي ثعلبة ، وأبي كبشة الأنماري ، وعبد الرحمن بن غنيم ، والقاسم أبي عبد الرحمن ، وغيرهم .

              حدثنا أبو بكر الآجري ، ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، ثنا شيبان بن فروخ ، ثنا مسرور بن سعيد التميمي ، عن الأوزاعي ، عن عروة ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم ، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران ، فأطعموا نساءكم الوالد الرطب ، فإن لم يكن رطبا فتمر " غريب من حديث الأوزاعي ، عن عروة . تفرد به مسرور بن سعيد .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عقال الحراني ، ثنا أبو جعفر النفيلي ، ثنا عباد بن كثير الرملي ، عن عروة ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا عملت أمتي خمسا فعليهم الدمار : إذا ظهر فيهم التلاعن ، وشربوا الخمور ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القينات ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء " . غريب من حديث عروة عن أنس ، تفرد به عباد بن كثير .

              حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي ، ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، [ ص: 124 ] ثنا محمد بن أبان ، ثنا يونس بن بكير ، عن أبي فروة يزيد بن سنان ، عن عروة ، قال : سمعت أبا ثعلبة الخشني ، يقول : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزاة له ، فدخل المسجد وصلى فيه ركعتين - وكان يعجبه إذا قدم أن يدخل المسجد فيصلي ركعتين - ثم خرج فأتى فاطمة فبدأ بها فاستقبلته فاطمة وجعلت تقبل وجهه وعينيه وتبكي ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك ؟ " قالت : أراك قد شحب لونك ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا فاطمة ، إن الله تعالى بعث أباك بأمر لم يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلا أدخله به عزا أو ذلا ، يبلغ به حيث يبلغ الليل " . غريب من حديث عروة تفرد به عنه أبو فروة .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، ثنا نعيم بن حماد ، ثنا عثمان بن كثير بن دينار ، عن محمد بن مهاجر ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن غنيم ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت " . غريب من حديث عروة لم نكتبه إلا من حديث محمد بن مهاجر .

              حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، ثنا ابن عياش ، ثنا عاصم بن رجاء بن حيوة ، عن عروة ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها عنه ، وإلا كتبها واحدة " . غريب من حديث ‌ عاصم وعروة ، لم نكتبه إلا من حديث إسماعيل بن عياش .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية