الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال

                                                                                                          759 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية حدثنا سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وثوبان قال أبو عيسى حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح وقد استحب قوم صيام ستة أيام من شوال بهذا الحديث قال ابن المبارك هو حسن هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر قال ابن المبارك ويروى في بعض الحديث ويلحق هذا الصيام برمضان واختار ابن المبارك أن تكون ستة أيام في أول الشهر وقد روي عن ابن المبارك أنه قال إن صام ستة أيام من شوال متفرقا فهو جائز قال وقد روى عبد العزيز بن محمد عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد هذا الحديث عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا وروى شعبة عن ورقاء بن عمر عن سعد بن سعيد هذا الحديث وسعد بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري وقد تكلم بعض أهل الحديث في سعد بن سعيد من قبل حفظه حدثنا هناد قال أخبرنا الحسين بن علي الجعفي عن إسرائيل أبي موسى عن الحسن البصري قال كان إذا ذكر عنده صيام ستة أيام من شوال فيقول والله لقد رضي الله بصيام هذا الشهر عن السنة كلها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( من صام رمضان ثم أتبعه ) بهمزة قطع أي جعل عقبه في الصيام ( بست من شوال ) وفي رواية مسلم : ستا من شوال . قال النووي : هذا صحيح ، ولو كان ستة بالهاء جاز أيضا ، قال أهل اللغة : يقال صمنا خمسا وستا وخمسة وستة ، وإنما يلتزمون إثبات الهاء في المذكر إذا ذكروه بلفظه صريحا فيقولون : صمنا ستة أيام ولا يجوز " ست أيام " ، فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان . ومما جاء حذف الهاء فيه من المذكر إذا لم يذكر بلفظه قوله تعالى : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا أي عشرة أيام ، انتهى .

                                                                                                          ( فذلك صيام الدهر ) ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين . قال النووي . وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وثوبان ) وفي الباب أيضا عن البراء بن عازب وابن عباس وعائشة . قال ميرك في تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- أما حديث جابر فرواه الطبراني وأحمد والبزار والبيهقي ، وأما حديث أبي هريرة فرواه البزار والطبراني وإسنادهما حسن . وقال المنذري أحد طرقه عند البزار صحيح ، وأما حديث ثوبان فرواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان ولفظه عند ابن ماجه : من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأما لفظ البقية فقريب منه ، وأما حديث ابن عباس فرواه الطبراني وأحمد والبزار والبيهقي ، وأما حديث عائشة فرواه الطبراني أيضا ، كذا في المرقاة . قلت : وأما حديث البراء بن عازب فرواه الدارقطني .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه .

                                                                                                          [ ص: 389 ] قوله : ( وقد استحب قوم صيام ستة من شوال لهذا الحديث ) وهذا هو الحق ، قال النووي : فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة . وقال مالك وأبو حنيفة : يكره ذلك قال مالك في الموطأ : ما رأيت أحدا من أهل العلم يصومها ، قالوا فيكره لئلا يظن وجوبه ، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها ، وقولهم : قد يظن وجوبها ينتقض بصوم يوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب ، انتهى كلام النووي .

                                                                                                          قلت : قول من قال بكراهة صوم هذه الستة باطل مخالف لأحاديث الباب ، ولذلك قال عامة المشايخ الحنفية : بأنه لا بأس به . قال ابن الهمام : صوم ست من شوال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته ، وعامة المشايخ لم يروا به بأسا ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( ويروى ) بصيغة المجهول ونائب فاعله هو قوله : ( ويلحق هذا الصيام برمضان ) ، كذا في بعض الحواشي . قلت : لم أقف أنا على الحديث الذي روي فيه هذا اللفظ ، نعم قد وقع في حديث ثوبان : من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة ، والظاهر المتبادر من البعدية هي البعدية القريبة ( واختار ابن المبارك أن تكون ستة أيام من أول الشهر ) أي من أول شهر شوال متوالية ( وروي عن ابن المبارك أنه قال : إن صام ستة أيام متفرقا فهو جائز ) قال النووي : قال أصحابنا : والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر فإن فرقها أو أخرها عن أوائل الشهر إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة ؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستا من شوال ، انتهى .

                                                                                                          قلت : الظاهر هو ما نقل النووي عن أصحابه ، فإن الظاهر المتبادر من لفظ بعد الفطر المذكور في حديث ثوبان المذكور هي البعدية القريبة ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          [ ص: 390 ] قوله : ( وقد تكلم بعض أهل الحديث في سعد بن سعيد من قبل حفظه ) قال الحافظ في التقريب : سعد بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري أخو يحيى صدوق سيئ الحفظ من الرابعة ، انتهى .

                                                                                                          فإن قلت : كيف صحح الترمذي حديث سعد بن سعيد المذكور مع تصريحه بأنه قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه؟ .

                                                                                                          قلت : الظاهر أن تصحيحه لتعدد الطرق ، وقد تقدم في المقدمة أنه قد يصحح الحديث لتعدد طرقه على أنه لم يتفرد به سعد بن سعيد ، بل تابعه صفوان بن سليم كما تقدم .




                                                                                                          الخدمات العلمية