الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                262 [ ص: 289 ] 10 - باب

                                تفريق الوضوء والغسل

                                ويذكر عن ابن عمر أنه غسل قدميه بعدما جف وضوؤه .

                                التالي السابق


                                هذا الأثر حكاه الإمام أحمد عن ابن عمر أنه توضأ ، ثم غسل رجليه في مكان آخر .

                                وقال ابن المنذر : ثبت أن ابن عمر توضأ بالسوق ، فغسل وجهه ويديه ، ومسح رأسه . ثم دعي لجنازة ، فمسح على خفيه ، ثم صلى عليها .

                                وهذا الأثر رواه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - أنه توضأ في السوق ، فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه . ثم دعي إلى جنازة ، فدخل المسجد ، ثم مسح على خفيه بعد ما جف وضوؤه .

                                قال البيهقي : هذا صحيح عن ابن عمر ، مشهور بهذا اللفظ .

                                وقد اختلف العلماء في تفريق الوضوء والغسل : هل يصح معه الوضوء والغسل أم لا - على ثلاثة أقوال :

                                أحدها : أنه جائز ، وهو ظاهر تبويب البخاري هاهنا . وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي وإسحاق في رواية ، ورواية عن أحمد أيضا .

                                والثاني : أنه لا يجوز ، وتجب الإعادة بذلك في الوضوء والغسل . وهو قول مالك ، وحكي رواية عن أحمد ، وهي غريبة عنه .

                                [ ص: 290 ] والثالث : أنه يجب في الوضوء دون الغسل ، وهو ظاهر مذهب أحمد .

                                وممن قال : إنه إذا جف وضوؤه يعيد - قتادة وربيعة والأوزاعي والليث والشافعي في القديم ، وإسحاق في رواية .

                                وقال النخعي : لا بأس أن يفرق غسله من الجنابة .

                                وكذا روي عن ابن المسيب ، وعلي بن حسين .

                                وروي عن الحسن فيمن أخر غسل رجليه في الوضوء حتى جف : إن كان في عمل الوضوء غسل رجليه ، وإلا استأنف .

                                وفرق أحمد بين الوضوء والغسل بأن الله أمر في الوضوء بغسل أعضاء معدودة ، معطوف بعضها على بعض ، فوجب غسلها مرتبا متواليا كما يجب الترتيب والموالاة في ركعات الصلاة ، وأشواط الطواف ، بخلاف غسل الجنابة فإنه أمر فيه بالتطهر ، وهو حاصل بغسل البدن على أي وجه كان .

                                واستدل لإعادة الوضوء بأن عمر رأى رجلا على ظهر قدمه لمعة لم يغسلها ، فأمره بإعادة الوضوء .

                                وقد اختلف ألفاظ الرواية عن عمر في ذلك ; ففي بعضها أنه أمره بغسل ما تركه ، وفي بعضها أمره بإعادة الوضوء .

                                وفي الباب أحاديث مرفوعة أيضا بهذا المعنى ، من أجودها حديث رواه بقية ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة .

                                خرجه أبو داود .

                                [ ص: 291 ] وقال أحمد : إسناده جيد .

                                وأما الغسل فروي في حديث مرسل عن العلاء بن زياد أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ، ثم رأى لمعة لم يصبها الماء ، فعصر عليها شعره .

                                وأخذ به أحمد في إحدى الروايتين عنه .

                                وروي عن ابن مسعود ، قال : الجنب ما أصاب الماء من جسده فقد طهر . وحمله أبو عبيد على أنه إذا فرق غسله وقطع أجزأه .

                                وروي عن علي وابن مسعود وجماعة من السلف في الجنب إذا غسل رأسه بالخطمي أنه يجزئه من غسل الجنابة ، وليس عليه إعادة غسله .

                                وهذا يدل على جواز تأخير غسل الجسد عن غسل الرأس في الغسل .

                                وخرج أبو داود من حديث شريك ، عن قيس بن وهب ، عن رجل من [ بني ] سواءة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب ، يجتزئ بذلك ، ولا يصب عليه الماء .

                                يعني أنه لا يعيد منه غسل بقية جسده .



                                الخدمات العلمية