الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم

                                                                                                          774 حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع النيسابوري ومحمود بن غيلان ويحيى بن موسى قالوا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفطر الحاجم والمحجوم قال أبو عيسى وفي الباب عن علي وسعد وشداد بن أوس وثوبان وأسامة بن زيد وعائشة ومعقل بن سنان ويقال ابن يسار وأبي هريرة وابن عباس وأبي موسى وبلال وسعد قال أبو عيسى وحديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج وذكر عن علي بن عبد الله أنه قال أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة الحديثين جميعا حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الحجامة للصائم حتى أن بعض أصحاب النبي احتجم بالليل منهم أبو موسى الأشعري وابن عمر وبهذا يقول ابن المبارك قال أبو عيسى سمعت إسحق بن منصور يقول قال عبد الرحمن بن مهدي من احتجم وهو صائم فعليه القضاء قال إسحق بن منصور وهكذا قال أحمد وإسحق حدثنا الزعفراني قال وقال الشافعي قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم ولا أعلم واحدا من هذين الحديثين ثابتا ولو توقى رجل الحجامة وهو صائم كان أحب إلي ولو احتجم صائم لم أر ذلك أن يفطره قال أبو عيسى هكذا كان قول الشافعي ببغداد وأما بمصر فمال إلى الرخصة ولم ير بالحجامة للصائم بأسا واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في حجة الوداع وهو محرم صائم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ ) بقاف وظاء ، وقيل هو عبد الله بن إبراهيم بن قارظ ووهم من زعم أنهما اثنان ، صدوق من الثالثة كذا في التقريب ( أفطر الحاجم [ ص: 405 ] والمحجوم ) استدل بظاهر هذا الحديث من قال بحرمة الحجامة للصائم وسيجيء ذكرهم .

                                                                                                          قوله : وفي الباب عن سعد ـ أي ابن أبي وقاص ـ مالك بن وهب بن عبد مناف ، أحد العشرة ، أخرج حديثه ابن عدي في الكامل وفي سنده داود بن الزبرقان وهو ضعيف ( وعلي ) بن أبي طالب . أخرجه النسائي وذكر الاختلاف فيه ، وأخرجه البزار في مسنده وقال : جميع ما يرويه الحسن عن علي مرسل ، وإنما يروي عن قيس بن عباد وغيره عن علي ( وشداد بن أوس وثوبان ) قال الحافظ في التلخيص : أما حديث ثوبان وشداد فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان .

                                                                                                          قال علي بن سعيد النسوي : سمعت أحمد يقول : هو أصح ما روي فيه ، وكذا قال الترمذي عن البخاري ورواه المذكورون من طريق يحيى بن أبي كثير أيضا عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس ، وصحح البخاري الطريقين تبعا لعلي بن المديني ، نقله الترمذي في العلل . وقد استوعب النسائي طرق هذا الحديث في السنن الكبرى ، انتهى .

                                                                                                          ( وأسامة بن زيد ) أخرجه النسائي من حديث أشعث بن عبد الملك عن الحسن عنه ثم قال : لا نعلم تابع أشعث على روايته أحد ( وعائشة ) أخرجه النسائي أيضا وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف ، ومعقل بن يسار ويقال ( معقل بن سنان ) أخرجه النسائي أيضا وذكر الاختلاف فيه ( وابن عباس ) أخرجه النسائي ( وأبي موسى ) أخرجه النسائي والحاكم وصححه علي بن المديني ، وقال النسائي : رفعه خطأ والموقوف أخرجه ابن أبي شيبة وعلقه البخاري ( وبلال ) أخرجه النسائي ، وقد ذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية والحافظ ابن حجر في التلخيص هذه الأحاديث وغيرها مع الكلام عليها مفصلا من شاء الوقوف عليها فليرجع إليهما .

                                                                                                          قوله : ( حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح ) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط الشيخين ( وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال : أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج ) قال الحافظ في الفتح : لكن عارض أحمد يحيى بن معين في هذا فقال : حديث رافع أضعفها . وقال البخاري : هو غير محفوظ ، وقال ابن أبي حاتم [ ص: 406 ] عن أبيه : هو عندي باطل . وقال الترمذي : سألت إسحاق بن منصور عنه فأبى أن يحدثني به عن عبد الرزاق وقال : هو غلط ، قلت : ما علته؟ قال : روى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد حديث : مهر البغي خبيث ، وروي عن يحيى عن أبي قلابة أن أبا أسماء حدثه أن ثوبان أخبره به فهذا هو المحفوظ عن يحيى ، فكأنه دخل لمعمر حديث في حديث ، انتهى .

                                                                                                          ( وذكر عن علي بن عبد الله ) بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن بن المديني البصري ، ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله ( وأنه قال : أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس ؛ لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة الحديثين جميعا ، حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس ) يعني فانتفى الاضطراب وتعين الجمع بذلك . وقد صحح للبخاري الطريقين تبعا لعلي بن المديني كما عرفت في بيان تخريج حديثهما ، وكذا قال عثمان الدارمي : صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم من طريق ثوبان وشداد ، قال : وسمعت أحمد يذكر ذلك ، وقال المروزي : قلت لأحمد : إن يحيى بن معين قال ليس فيه شيء يثبت ، فقال : هذا مجازفة . وقال ابن خزيمة : صح الحديثان جميعا ، وكذا قال ابن حبان والحاكم ، كذا في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم الحجامة للصائم ) واحتجوا بحديث الباب ، وهو بظاهره يدل صراحة على أن الحجامة تفطر الصائم . قال الطيبي : ذهب إلى هذا الحديث جمع من الأئمة وقالوا يفطر الحاجم والمحجوم ، ومنهم أحمد وإسحاق ، وقال قوم منهم مسروق والحسن وابن سيرين : يكره الحجامة للصائم ولا يفسد الصوم بها ، [ ص: 407 ] وحملوا الحديث على التشديد وأنهما نقصا أجر صيامهما وأبطلاه بارتكاب هذا المكروه . وقال الأكثرون : لا بأس بها ، إذ صح عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وقالوا : معنى قوله " أفطر " تعرض للإفطار كما يقال هلك فلان إذا تعرض للهلاك ، انتهى كلام الطيبي .

                                                                                                          وقال البغوي في شرح السنة : معنى قوله " أفطر الحاجم والمحجوم " أي تعرضا للإفطار ، أما الحاجم فلأنه لا يأمن من وصول شيء من الدم إلى جوفه عند المص ، وأما المحجوم فلأنه لا يأمن ضعف قوته بخروج الدم فيئول أمره إلى أن يفطر ، انتهى كلام البغوي .




                                                                                                          الخدمات العلمية