الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وقد روي في الحجب أحاديث وآثار، وإن لم تكن في [ ص: 100 ] الكتب المشهورة، لكنها مما رواه العلماء أهل الحديث، فأما هذا الحديث فلا أصل له.

والأحاديث المأثورة في هذا: فمثل ما رواه الخلال في كتاب السنة، حدثنا يزيد بن جمهور، حدثنا الحسن بن يحيى [ ص: 101 ] ابن كثير العنبري، حدثنا أبي، عن إبراهيم بن المبارك، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل عليه السلام، وإذا في كفه كأصفأ المرايا [ ص: 102 ] وأحسنها، وإذا في وسطها نكتة سوداء، قال: فقلت: يا جبريل، ما هذه؟ قال: هذه الدنيا صفاؤها وحسنها، قال قلت: وما هذه اللمعة في وسطها؟ قال: هذه الجمعة، قال قلت: وما الجمعة؟ قال: يوم من أيام ربك عظيم، وسأخبرك بشرفه وفضله واسمه في الآخرة، أما شرفه وفضله في الدنيا، فإن الله تعالى جمع فيه أمر الخلق، وأما ما يرجى فيه، فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تعالى فيها خيرا إلا أعطاهما إياه، وأما شرفه وفضله واسمه في الآخرة، فإن الله تعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، وجرت عليهم أيامهما وساعاتهما، ليس بها ليل ولا نهار إلا قد علم الله مقدار ذلك وساعته، فإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يبرز أو يخرج فيه أهل الجنة إلى جمعتهم، نادى مناد: يا أهل الجنة، اخرجوا إلى يوم المزيد، لا يعلم سعته وطوله وعرضه إلا الله في كثبان المسك، قال: فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور، ويخرج غلمان المؤمنين بكراس من ياقوت، قال: فإذا وضعت لهم وأخذ القوم مجالسهم، بعث الله عليهم ريحا تدعى المثيرة، تثير عليهم أثابير المسك الأبيض، تدخل من تحت ثيابهم، وتخرج من وجوههم وأشعارهم، فتلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها [ ص: 103 ] كل طيب على وجه الأرض لكانت تلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من تلك المرأة لو دفع إليها ذلك الطيب بإذن الله، قال: ثم يوحي الله تعالى إلى حملة العرش، فيوضع بين ظهراني الجنة، وما فيها أسفل منه، بينهم وبينه الحجب، فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، وصدقوا رسلي واتبعوا أمري؟ فسلوني فهذا يوم المزيد. قال: فيجتمعون على كلمة واحدة، رب رضينا عنك فارض عنا، قال: فيرجع الله تعالى في قوله: يا أهل الجنة، إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، فهذا يوم المزيد فسلوني. قال: فيجتمعون على كلمة واحدة، رب وجهك وجهك، أرنا ننظر إليك. قال: فيكشف الله عز وجل تلك الحجب، قال: ويتجلى لهم، قال: فيغشاهم من نوره شيء لولا أنه قضى عليهم أن لا يحترقوا لاحترقوا مما غشيهم من نوره. قال: ثم يقال: ارجعوا إلى منازلكم، قال: فيرجعون إلى منازلهم وقد خفوا على أزواجهم وخفين عليهم مما غشيهم من نوره، فإذا صاروا إلى منازلهم يزداد النور وأمكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها، قال: فيقول لهم أزواجهم: لقد خرجتم من عندنا في صورة ورجعتم على [ ص: 104 ] غيرها، قال: فيقولون: ذلك بأن الله عز وجل تجلى لنا، فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم، قال: فلهم في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه، وذلك قول الله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [السجدة: 17]». [ ص: 105 ]

وأصل هذا الحديث في تقدير يوم الجمعة في الآخرة مشهور من طرق من حديث أبي هريرة، وحديث سوق الجنة، [ ص: 106 ] وحديث أنس، وحديث ابن مسعود موقوفا.

وقال الخلال: حدثنا عبد الواحد بن شعيب، حدثنا عبد العزيز بن موسى البهراني، حدثنا مسند بن محمد، عن عبد الله التميمي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجب الله عن خلقه بسبعين ألف حجاب: هواء، وريح، وماء، وظلمة، ونور، ثم قرأ قوله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير [الأنعام: 103]».

حدثنا أحمد بن محمد الأنصاري، [ ص: 107 ] حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عبيد المكتب، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: احتجب الله تبارك وتعالى عن خلقه بأربعة: نار وماء ونور وظلمة. [ ص: 108 ]

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا زيد بن الحباب العكلي، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه في قوله تعالى: في لوح محفوظ قال: طوله خمسمائة سنة، فإذا أراد الله أمرا في الأرض من وحي أو شيء دلي بين عنق إسرافيل فنظر فيه فيوحي إلى جبريل عليه السلام، وبينه وبينه حجب، وبين الله وبين خلقه سبعون حجابا: نور وظلمة وماء [ ص: 109 ] ونار وبرق يلمع، وإسرافيل لا يرفع طرفه.

حدثنا الحسن بن حميد البلخي، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثني أبي، حدثني ابن أبي [ ص: 110 ] ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل يناجيه إذا انشق فأقبل جبريل يدنو من الأرض، ويدنو بعضه من بعض، ويتماثل، فإذا ملك فقلت: أردت أن أسألك عن هذا، فرأيت من حالك ما شغلني عن [ ص: 111 ] المسألة، فمن هذا يا جبريل؟ قال: هذا إسرافيل، خلقه الله عز وجل يوم خلقه بين يديه صافا قدميه، لا يرفع طرفه، بينه وبين الرب تبارك وتعالى سبعون نورا، ما منها نور كاد يدنو منه إلا احترق، وبين يديه لوح، فإذا أذن الله في شيء في السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح حتى يضرب جبينه، فينظر فيه فإذا كان من عملي أخبرني به، وإن كان من عمل ميكائيل أخبره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به، قال: قلت: يا جبريل، على أي شيء أنت؟ قال: أنا على الريح والجنود. قلت: على أي شيء ميكائيل؟ قال: على النبات والقطر. قلت: وعلى أي شيء ملك الموت؟ قال: على قبض الأنفس، وما هبط إلى الأرض منذ خلقه الله عز وجل إلى يومه هذا، وما ظننت أنه هبط إلا لقيام الساعة، وما الذي رأيت مني إلا خوفا من قيام الساعة». [ ص: 112 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية