الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 3043 ] كتاب السلم الثالث

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2 - (ت) نسخة تازة رقم (234 & 243) [ ص: 3044 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 3045 ] وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد

                                                                                                                                                                                        وآله وصحبه وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب السلم الثالث

                                                                                                                                                                                        باب في إقالة المريض من السلم

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن أسلم مائة درهم في مائة إردب قيمتها مائتا درهم، ثم أقال منها في مرضه ولا مال له غيرها: يخير الورثة بين أن يجيزوا الإقالة، أو يقطعوا له بثلث ما عليه من الطعام ويأخذوا ثلثيه، وإن كان الثلث يحمل جميعه جاز ذلك وتمت وصيته، وإن لم يكن فيه محاباة فالإقالة جائزة .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: لا تجوز إقالة المريض إذا كان فيها محاباة; لأن فعل المريض موقوف لبعد الموت .

                                                                                                                                                                                        قال أبو بكر ابن اللباد: لعل ابن القاسم أراد أن المريض مات مكانه .

                                                                                                                                                                                        قال: ولو قيل: تفسخ الإقالة ما لم يمت، فإذا مات صارت ضرورة، كمن أقال وهرب بعد فقد قالوا: تصح الإقالة . [ ص: 3046 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: الإقالة على وجهين:

                                                                                                                                                                                        على البت، ووصية لبعد الموت، فإذا كانت على البت، وتناجزا وتقابضا جهلا منهما بما توجبه الأحكام من حق الورثة، أو كانا عالمين بما للورثة في ذلك من الحق، وتقابضا على وجه الافتيات على الورثة، وعلم الورثة بذلك بعد الموت - كانت الإقالة جائزة.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يخرج كلام ابن القاسم; لأن المسألة تتعلق بحق الله سبحانه وهو قوله: (تتعلق بحق الله) المناجزة، وقد كانت وتقدمت، والمقال الآن لحق آدمي وهم الورثة، ولا يقال فيما يراد لحق آدمي: إنه فاسد، والورثة بالخيار بين أن يسقطوا مقالهم فتمضي الإقالة أو يردوها، إلا أن يحملها الثلث.

                                                                                                                                                                                        وإن علم الورثة في الحياة فأجازوا، مضت الإقالة، وقد قيل في الأصل: إنه لا ينظر إلى إجازتهم وأن للحاكم أن يفسخ ذلك، لإمكان أن يكون الوارث غير من أجاز.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأن هذا من النادر أن يموت الصحيح في حياة موروثهم الذي أشرف على الموت، فإن أرادوا الفسخ بأنفسهم الآن كان ذلك لهم، والفسخ إلى الحاكم إذا رفعوا ذلك إليه، فإن فسخوا بأنفسهم من غير حاكم كان ذلك على قولين، هل ذلك فسخ أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وإن لم يفسخوه وقالوا لهما: ردا الإقالة، فلم يفعلا حتى وقع الموت، مضت الإقالة إذا كان الثلث يحمل المحاباة.

                                                                                                                                                                                        والوصية بالإقالة على ثلاثة أوجه: جائزة، وممنوعة، ومختلف فيها بالجواز والمنع. [ ص: 3047 ]

                                                                                                                                                                                        فإن كانت الوصية إلى الورثة وقد وكلهم على أن يقيلوه كانت جائزة.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت من الميت، فقال: إذا مت فقد أقلته وأوجب ذلك له، كانت فاسدة، عاقده على ذلك المسلم إليه أم لا.

                                                                                                                                                                                        وإن لم يوجب الإقالة كان فيها قولان: الإجازة والمنع، فأجاز في الكتاب الوصية .

                                                                                                                                                                                        وحكى ابن حبيب فيمن صرف ذهبا بورق في مرضه وحابى أو وصى أن يصرف منه، وفيه محاباة أو لا محاباة فيه أن ذلك جائز، قيل: وإن كان ينظر في ذلك بعد الموت، قال: قد قال قائل ذلك حرام للتأخير، قال: ولا أراه إلا حلالا; لأنه لم يرد التأخير .

                                                                                                                                                                                        وقد جمع ابن حبيب في هذا السؤال بين البت والوصية، وأجاز ذلك في الجميع، ومحمله في البت على أنهما تناجزا.

                                                                                                                                                                                        والحكم في الإقالة والصرف سواء، وكذلك النكاح: لا يجوز على الوقف.

                                                                                                                                                                                        وإن أوصى أن تزوج ابنته من فلان جاز، وإن أوجب هو ذلك ليكون تمامه بعد الموت لم يجز، وإن قال: إذا مت فقد زوجت ابنتي وكان الخيار ما بينه وبين أن يموت كانت على قولين، وقد مضى ذلك في كتاب النكاح الأول.

                                                                                                                                                                                        وإذا كانت الإقالة على البت كانت المحاباة في الثلث وحده خاصة، وإذا [ ص: 3048 ] الإقالة كانت على الوصية لبعد الموت، كان في الثلث جميع السلم، لمحاباته .

                                                                                                                                                                                        والفرق بينهما أن المريض غير ممنوع من البيع، وممنوع من الهبة، فإذا جمع عقد واحد بيعا وهبة، مضى البيع، وكانت الهبة وحدها في الثلث، وإذا أخر البيع لبعد الموت، كان الورثة مالكين للثلثين بنفس الموت، فلم يكن له أن يبيع ذلك عليهم وإن استوفى الثمن.

                                                                                                                                                                                        ولم ير ابن القاسم أن يمضي من ذلك ما لا محاباة فيه كالعروض; لأن ذلك بيع الطعام قبل استيفائه، والمنع في ذلك شرع لا لتهمة .

                                                                                                                                                                                        ولو كان المسلم إليه هو المريض فأقال من السلم ولا شيء له سوى رأس المال، ولم يجز الورثة، وقيمة السلم يوم أقال أقل، فإن لم يجز الورثة اشترى من تلك الدراهم الطعام الذي عليه فقضى عنه، فما فضل بعد قضاء دينه كان للمسلم ثلثه، ولا يدخل في هذا بيع الطعام قبل استيفائه. [ ص: 3049 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية