الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 731 ] ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها التف على أخي الحسين القرمطي المعروف بذي الشامة الذي قدمنا ذكر مقتله في السنة الماضية - خلائق من القرامطة والأعراب واللصوص بطريق الفرات فعاث بهم في الأرض فسادا ثم قصد طبرية فامتنعوا من إيوائه فدخلها قهرا وقتل بها خلقا من الرجال وأخذ شيئا كثيرا من الأموال ثم كر راجعا إلى البادية ودخلت فرقة أخرى منهم إلى هيت فقتلوا أهلها إلا القليل وأخذوا منها أموالا جزيلة حملوها على ثلاثة آلاف بعير فبعث إليهم الخليفة المكتفي جيشا فقاتلوهم وأخذوا رئيسهم فضربت عنقه ونبغ رجل من القرامطة يقال له الداعية باليمن فحاصر صنعاء فدخلها قهرا وقتل خلقا من أهلها ثم سار إلى بقية مدن اليمن فأكثر فيها الفساد وقتل خلقا من العباد ثم قاتله أهل صنعاء فظفروا به وهزموه فانحاز إلى بعض مدنها وبعث الخليفة إليها المظفر بن حاج نائبا وخلع عليه ، فسار إليها فلم يزل بها حتى مات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم عيد الأضحى دخلت طائفة من القرامطة نحو من ثمانمائة إلى الكوفة والناس في عيدهم ، فنادوا : يا ثارات الحسين ، يعنون المصلوب ببغداد ، وشعارهم : يا أحمد يا محمد ، يعنون الذين قتلوا معه ، فبادر الناس الدخول إلى الكوفة فولج خلفهم القرامطة فرمتهم العامة بالحجارة وغير ذلك [ ص: 732 ] فقتلوا منهم نحوا من عشرين ، ورجع الباقون خاسئين ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ظهر رجل بمصر يقال له الخلنجي فخلع الطاعة واجتمع إليه طائفة من الجند فأمر الخليفة أحمد بن كيغلغ نائب دمشق وأعمالها فركب إليه فاقتتلا بظاهر مصر فهزمه الخلنجي هزيمة منكرة فبعث الخليفة إليه جيشا آخر فهزموا الخلنجي وهرب فاستتر بمصر ، فأحضر ، وسلم إلى الأمير الخليفة وانطفأ خبره ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما اشتغل الجيش بأمر الديار المصرية بعث زكرويه بن مهرويه بعد مقتل ابنه الحسين ببغداد - جيشا صحبة رجل كان يعلم الصبيان ، يقال له عبد الله بن سعيد ، فقصد بصرى وأذرعات والبثنية ، فحاربه أهلها ، ثم أمنهم ، فلما أن تمكن منهم قتل المقاتلة ، ورام الدخول إلى دمشق فقاتله نائب أحمد بن كيغلغ بدمشق وهو صالح بن الفضل فهزمه القرمطي وقتل صالح فيمن قتل وحاصر دمشق فلم يمكنه فتحها فانصرف إلى طبرية فقتلوا أكثر أهلها كما ذكرنا ونهبوا منها شيئا كثيرا ، ثم ساروا إلى هيت ففعلوا كذلك ، ثم جهز الخليفة إليهم جيشا فأخذ رئيسهم من بينهم ونجا بقيتهم ، ثم ساروا إلى الكوفة في يوم عيد الأضحى كما ذكرنا ، فلم ينتج لهم أمر ، ولله الحمد والمنة ، وكل ذلك بإشارة زكرويه بن مهرويه وهو مختف في بلده بين ظهراني قومه من القرامطة ، إذا ألح في طلبه نزل بئرا قد اتخذها ، وعلى بابه تنور فتقوم امرأة تسجره وتخبز فيه فلا يشعر أحد بأمره أصلا ، فبعث الخليفة إليه جيشا كثيفا فقاتلهم زكرويه بنفسه [ ص: 733 ] ومن أطاعه فهزم جيش الخليفة وغنم من أموالهم شيئا كثيرا جدا فتقوى به واشتد أمره فندب الخليفة إليه جيشا كثيفا آخر فكان من أمره وأمرهم ما سنذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها افتتح إسماعيل بن أحمد الساماني نائب خراسان وما وراء النهر طائفة كبيرة من بلاد الأتراك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أغارت الروم على بعض أعمال حلب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية