الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن : بالكسر والتخفيف ، على أوجه :

الأول : أن تكون شرطية ، نحو : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] وإن يعودوا فقد مضت [ الأنفال : 38 ] ، وإذا دخلت على ( لم ) فالجزم بلم لا بها . نحو : فإن لم تفعلوا [ البقرة : 24 ] ، أو على لا ، فالجزم بها لا بلا ، نحو : وإلا تغفر لي [ هود : 47 ] ، إلا تنصروه [ التوبة : 40 ] . والفرق أن ( لم ) عامل يلزم معموله ولا يفصل بينهما بشيء ، و ( إن ) يجوز الفصل بينهما وبين معمولها بمعموله ، و ( لا ) لا تعمل الجزم إذا كانت نافية ، فأضيف العمل إلى إن .

الثاني : أن تكون نافية ، وتدخل على الاسمية والفعلية ، نحو : إن الكافرون إلا في غرور [ الملك : 20 ] إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم [ المجادلة : 2 ] إن أردنا إلا الحسنى [ التوبة : 107 ] إن يدعون من دونه إلا إناثا [ النساء : 117 ] .

[ ص: 475 ] قيل : ولا تقع إلا وبعدها ( إلا ) كما تقدم ، أو لما المشددة ، نحو : إن كل نفس لما عليها حافظ [ الطارق : 4 ] ، في قراءة التشديد ، ورد بقوله : إن عندكم من سلطان بهذا [ يونس : 68 ] وإن أدري لعله فتنة لكم [ الأنبياء : 111 ] .

ومما حمل على النافية قوله : إن كنا فاعلين [ الأنبياء : 17 ] . قل إن كان للرحمن ولد [ الزخرف : 81 ] ، وعلى هذا فالوقف هنا . ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه [ الأحقاف : 26 ] ، أي : في الذي ما مكناكم فيه . وقيل : هي زائدة ، ويؤيد الأول قوله : مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [ الأنعام : 6 ] ، وعدل عن ( ما ) لئلا تتكرر فيثقل اللفظ .

قلت : وكونها للنفي هو الوارد عن ابن عباس ، كما تقدم في نوع الغريب من طريق ابن أبي طلحة .

وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله : ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده [ فاطر : 41 ] .

وإذا دخلت النافية على الاسمية لم تعمل عند الجمهور ، وأجاز الكسائي والمبرد إعمالها عمل ليس ، وخرج عليه قراءة سعيد بن جبير : ( إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم ) .

فائدة : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ، قال : كل شيء في القرآن ( إن ) فهو إنكار .

الثالث : أن تكون مخففة من الثقيلة ، فتدخل على الجملتين :

ثم الأكثر إذا دخلت على الاسمية إهمالها ، نحو : وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا [ الزخرف : 35 ] . وإن كل لما جميع لدينا محضرون [ يس : 32 ] . إن هذان لساحران [ طه : 63 ] ، في قراءة حفص وابن كثير .

وقد تعمل ، نحو : وإن كلا لما ليوفينهم [ هود : 111 ] في قراءة الحرميين .

وإذا دخلت على الفعل ، فالأكثر كونه ماضيا ناسخا ، نحو : وإن كانت لكبيرة [ البقرة : 143 ] وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك [ الإسراء : 73 ] وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين [ الأعراف : 102 ] . ودونه أن يكون مضارعا ناسخا ، نحو : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك [ القلم : 51 ] وإن نظنك لمن الكاذبين [ الشعراء : 186 ] .

وحيث وجدت ( إن ) وبعدها ( اللام المفتوحة ) فهي المخففة من الثقيلة .

الرابع : أن تكون زائدة ، وخرج عليه : فيما إن مكناكم فيه [ الأحقاف : 26 ] .

الخامس : أن تكون للتعليل كإذ ، قاله الكوفيون . وخرجوا عليه قوله تعالى : واتقوا الله إن كنتم مؤمنين [ المائدة : 57 ] . لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [ الفتح : 27 ] .

وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين [ آل عمران : 139 ] . ونحو ذلك ، مما الفعل فيه محقق الوقوع .

[ ص: 476 ] وأجاب الجمهور عن آية المشيئة : بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل ، أو بأن أصل ذلك الشرط ، ثم صار يذكر للتبرك ، أو أن المعنى : لتدخلن جميعا إن شاء الله ألا يموت منكم أحد قبل الدخول . وعن سائر الآيات بأنه شرط جيء به للتهييج والإلهاب ، كما تقول لابنك : إن كنت ابني فأطعني .

السادس : أن تكون بمعنى قد ، ذكره قطرب ، وخرج عليه : فذكر إن نفعت الذكرى [ الأعلى : 9 ] . أي قد نفعت ، ولا يصح معنى الشرط فيه ، لأنه مأمور بالتذكير على كل حال .

وقال غيره : هي للشرط ، ومعناه : ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم . وقيل : التقدير : وإن لم تنفع ، على حد قوله : سرابيل تقيكم الحر [ النحل : 81 ] .

فائدة : قال بعضهم : وقع في القرآن ( إن ) بصيغة الشرط ، وهو غير مراد ، في ستة مواضع :

ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا [ النور : 33 ] . واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون [ النحل : 114 ] . وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان [ البقرة : 283 ] . إن ارتبتم فعدتهن [ الطلاق : 4 ] . أن تقصروا من الصلاة إن خفتم [ النساء : 101 ] . وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا [ البقرة : 228 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية