الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

                                                                                                          79 حدثنا ابن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط قال فقال له ابن عباس يا أبا هريرة أنتوضأ من الدهن أنتوضأ من الحميم قال فقال أبو هريرة يا ابن أخي إذا سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلا قال وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى قال أبو عيسى وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( الوضوء مما مست النار ) وفي رواية مسلم توضئوا مما مست النار ( ولو من ثور أقط ) بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن مجفف مستحجر . والثور قطعة منه ، والحديث دليل على وجوب الوضوء مما مست النار وبه قال بعض أهل العلم والأكثر على أنه منسوخ كما ستعرف ( أنتوضأ من الدهن ) أي الذي مسته النار ( أنتوضأ من الحميم ) وهو الماء الحار بالنار ( إذا سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلا ) بل اعمل به واسكت عن ضرب المثل له .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى ) . [ ص: 216 ] أما حديث أم حبيبة فأخرجه الطحاوي وأحمد وأبو داود والنسائي ولفظه : توضئوا مما مست النار . وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه مسلم بلفظ : توضئوا مما مست النار .

                                                                                                          وأما حديث أبي طلحة فأخرجه الطحاوي والطبراني في الكبير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل ثور أقط فتوضأ .

                                                                                                          وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل مما غيرت النار توضأ ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .

                                                                                                          وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بلفظ : توضئوا مما غيرت النار لونه . قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله موثقون .

                                                                                                          قوله : ( وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار ، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار ) قال الحازمي في كتاب الاعتبار : قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مست النار .

                                                                                                          وممن ذهب إلى ذلك ابن عمر وأبو طلحة وأنس بن مالك وأبو موسى وعائشة وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو غرة الهذلي وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز لاحق بن حميد وأبو قلابة ويحيى بن يعمر والحسن البصري والزهري . وذهب أكثر أهل العلم وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مست النار ورأوه آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          وممن لم ير منه الوضوء أبو بكر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبو أمامة والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ومن التابعين عبيدة السلماني وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد ومن معهم من فقهاء أهل المدينة ومالك بن أنس والشافعي وأصحابه وأهل الحجاز وعامتهم وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأهل [ ص: 217 ] الكوفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق . انتهى كلام الحازمي .

                                                                                                          قلت : والظاهر الراجح ما ذهب إليه أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية