الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وفي القرآن مما فيه وصف ذهاب بعض الأشياء إليه نفسه أو صعودها إليه أو نزولها من عنده، وما يشبه ذلك، نحو خمسمائة آية أو أكثر، وكل ذلك يدل على جواز التقرب إليه، قال تعالى: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله [البقرة: 281]. وقال تعالى: واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه [ ص: 173 ] [البقرة: 223]. وقد تقدم كثير من الآيات التي فيها ذكر لقاء العبد ربه، وكل ذلك يستلزم التقرب إليه، ومن نفى أحدهما نفى الآخر، ومن أثبت أحدهما أثبت الآخر، وهذا يتأولهما النافي على لقاء مخلوق، والتقرب من مخلوق، وقد قال تعالى: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة: 156]. وقال تعالى: فتوبوا إلى بارئكم [البقرة: 54]. وقال تعالى: ثم إلى ربكم مرجعكم [الأنعام: 164]. وقال تعالى: ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير [آل عمران: 28]. وقال تعالى: واتقوا الله الذي إليه تحشرون [المائدة: 96]. وقال تعالى: ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون [الأنعام: 164]. وقال تعالى: إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون [الزمر: 7]. وقال تعالى: وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون [الأنعام: 60]. وقال تعالى: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة [الأنعام: 94]. وقال [ ص: 174 ] كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون [الأنعام: 108]. وقال تعالى: وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام: 61-62]. وقال تعالى: ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا [الأنعام: 30]. وقال تعالى: وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام: 51]. وقال تعالى عن السحرة: قالوا إنا إلى ربنا منقلبون [الأعراف: 125]. وقال تعالى: وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه [التوبة: 118]. وقال شعيب عليه السلام: وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب [هود: 88]. وقال تعالى: وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه [هود: 123]. وقال تعالى: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون [يونس: 46]. وقال تعالى: إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون [يونس: 23]. وقال تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف: 108]. وقال تعالى: وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث [يوسف: 6]. وقال تعالى: واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [ ص: 175 ] [الأنعام: 87]. وقال تعالى: وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب [الرعد: 30]. وقال تعالى: وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا [الكهف: 48]. وقال تعالى: ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى [فصلت: 50]. وقال تعالى: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم: 93 إلى 95]. وقال تعالى: وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا [مريم: 58]. وقال تعالى: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [مريم: 85]. وقال: وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون [المؤمنون: 79]. وقال تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون [المؤمنون: 60]. وقال تعالى: ووجد الله عنده فوفاه حسابه [النور: 39]. وقال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون [النور: 31]. وقال تعالى: فإنه يتوب إلى الله متابا [الفرقان: 71]. وقال تعالى: قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [الفرقان: 57]. [ ص: 176 ] وقال تعالى عن السحرة: قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون [الشعراء: 50]. وقال تعالى: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين [النمل: 87]. وقال تعالى: وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون [القصص: 38-39]. وقال تعالى: وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين إلى قوله: كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [القصص: 87-88]. وقال تعالى: فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم [لقمان: 15]. وقال تعالى: فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون [العنكبوت: 17]. وقال تعالى: منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين [الروم: 31]. وقال تعالى: دعوا ربهم منيبين إليه [الروم: 33]. وقال تعالى: واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم [لقمان: 15]. وقال تعالى: ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم [لقمان: 22-23]. [ ص: 177 ]

وقال تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر: 10]. وقال تعالى: ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول [سبأ: 31]. وقال المؤمن: وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون [يس: 22]. وقال تعالى: وإن كل لما جميع لدينا محضرون [يس: 32]. وقال تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون [يس: 51]. وقال تعالى عن إبراهيم: إذ جاء ربه بقلب سليم [الصافات: 84]. وقال [ ص: 178 ] تعالى: وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين [الصافات: 99]. وقال تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله [فصلت: 33]. وقال تعالى: فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين [فصلت: 6]. وقال تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين [الزخرف: 36]. إلى قوله: حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [الزخرف: 38]. وقال تعالى: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون [الجاثية: 15]. وقال تعالى: وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين [الأحقاف: 15]. وقال تعالى: لا تختصموا لدي [ق: 28]. وقال تعالى: من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب [ق: 33]. وقال تعالى: ففروا إلى الله [الذاريات: 50]. وقال تعالى: وأن إلى ربك المنتهى [النجم: 42]. وقال تعالى: وأما من خاف مقام ربه [النازعات: 40]. وقال تعالى: ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير [الممتحنة: 4]. وقال المسيح عليه السلام: من أنصاري إلى الله [الصف: 14]. وقال تعالى: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون [ ص: 179 ] [الجمعة: 8]. وقال تعالى: توبوا إلى الله توبة نصوحا [التحريم: 8]. وقال تعالى: تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4]. وقال تعالى: وتبتل إليه تبتيلا [المزمل: 8]. وقال تعالى: فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [المزمل: 19]. وقال تعالى: فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى [النازعات: 18-19]. وقال تعالى: يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه [الانشقاق: 6]. وقال تعالى: إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم [الغاشية: 25-26]. وقال تعالى: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي [الفجر: 27-30]. ومثل هذا في كتاب الله كثير لا يستقصى إلا بكلفة شديدة.

وأما لفظ القرب إلى الله تعالى فقد قال تعالى: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا [النساء: 172]. وقال تعالى: فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم [الواقعة: 88-89]. وقال تعالى: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون [المطففين: 18-21]. وقال تعالى: [ ص: 180 ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون [المائدة: 35]. وقال تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب [الإسراء: 57]. وقال تعالى: واسجد واقترب [العلق: 19]. وقال تعالى: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3]. وقال تعالى: وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ص: 25]. في قصة داود وسليمان عليهما السلام، وقال: هم درجات عند الله [آل عمران: 163].

وأما في الأحاديث النبوية فكثير، وكلام السلف والأئمة وجميع المسلمين من ذكر القرب إلى الله تعالى، وما يقرب إلى الله، ونحو ذلك، هذا لا يحصيه إلا الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية