الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 290 ] سورة محمد

                                                                                                                                                                                                                                        مدنية في قول الجميع إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا: إلا آية منها نزلت بعد حجة حين خرج (عليه السلام من مكة جعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزنا عليه وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك الآية.

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: الذين كفروا يعني كفروا بتوحيد الله. وصدوا عن سبيل الله فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: عن الله وهو الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: عن بيت الله يمنع قاصديه إذا عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم - عليهم الإسلام أن يدخلوا فيه ، قاله الضحاك . أضل أعمالهم يحتمل ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أحبط ما فعلوه من الخير بما أقاموا عليه من الكفر. [ ص: 291 ] الثاني: أبطل ما أنفقوا ببدر لما نالهم من القتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أضلهم عن الهدى بما صرفهم عن التوفيق.

                                                                                                                                                                                                                                        وحكى مقاتل بن حيان أن هذه الآية نزلت في اثني عشر رجلا من كفار مكة ، ذكر النقاش أنهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عقبة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف ومنبه ونبيه ابنا الحجاج وأبو البختري وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام والحارث بن عامر بن نوفل.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: والذين آمنوا وعملوا الصالحات فيهم قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنهم الأنصار ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها نزلت خاصة في ناس من قريش ، قاله مقاتل. وفي قوله وعملوا الصالحات فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: المواساة بمساكنهم وأموالهم ، وهذا قول من زعم أنهم الأنصار.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: الهجرة وهذا قول من زعم أنهم قريش. وآمنوا بما نزل على محمد أي آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه من القرآن. وهو الحق من ربهم يحتمل وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن إيمانهم هو الحق من ربهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن القرآن هو الحق من ربهم. كفر عنهم سيئاتهم فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: سترها عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: غفرها بإيمانهم. وأصلح بالهم فيه أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أصلح شأنهم ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أصلح حالهم، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أصلح أمرهم، قاله ابن عباس ، والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم. [ ص: 292 ] الرابع: أصلح نياتهم. حكاه النقاش ، ومنه قول الشاعر

                                                                                                                                                                                                                                        فإن تقبلي بالود أقبل بمثله وإن تدبري أذهب إلى حال باليا

                                                                                                                                                                                                                                        وهو على هذا التأويل محمول على إصلاح دينهم، والبال لا يجمع لأنه أبهم إخوانه من الشأن والحال والأمر.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن الباطل الشيطان، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: إبليس، قاله قتادة ، وسمي بالباطل لأنه يدعو إلى الباطل.

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل ثالثا: أنه الهوى. وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: اتبعوا الرسول ، لأنه دعاهم إلى الحق وهو الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يعني القرآن سمي حقا لمجيئه بالحق. كذلك يضرب الله للناس أمثالهم قال يحيى : صفات أعمالهم ، وفي الناس هنا قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: جميع الناس ، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية