الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 294 ] المدرج


213 . المدرج : الملحق آخر الخبر من قول راو ما ، بلا فصل ظهر      214 . نحو (إذا قلت : التشهد) صل
ذاك (زهير) و (ابن ثوبان) فصل      215 . قلت : ومنه مدرج قبل قلب
(كأسبغوا الوضوء ويل للعقب)

التالي السابق


المدرج في الحديث أقسام :

القسم الأول منه : ما أدرج في آخر الحديث من قول بعض رواته . أما الصحابي ، أو من بعده موصولا بالحديث من غير فصل بين الحديث وبين ذلك الكلام ، بذكر قائله ، فيلتبس على من لا يعلم حقيقة الحال ، ويتوهم أن الجميع مرفوع . مثاله : ما رواه أبو داود ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا الحسن بن الحر ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال : أخذ علقمة بيدي ، فحدثني أن عبد الله [ ص: 295 ] بن مسعود أخذ بيده ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد عبد الله ، فعلمنا التشهد في الصلاة . قال : فذكر مثل حديث الأعمش : إذا قلت هذا ، أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك ، إن شئت أن تقوم فقم . وإن شئت أن تقعد فاقعد . فقوله : إذا قلت إلى آخره ، وصله زهير بن معاوية أبو خيثمة بالحديث المرفوع في رواية أبي داود هذه . قال الحاكم : قوله إذا قلت ، هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود . وكذا قال البيهقي في " المعرفة " : قد ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهم وأن قوله : "إذا فعلت هذا ، أو قضيت هذا ، فقد قضيت صلاتك" من قول ابن مسعود ، فأدرج في الحديث . وكذا قال الخطيب في كتابه الذي جمعه في المدرج : إنها مدرجة . وقال النووي في الخلاصة : اتفق الحفاظ على أنها مدرجة . انتهى . وقول الخطابي في المعالم : اختلفوا فيه ، هل هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو من قول ابن مسعود ؟ فأراد اختلاف الرواة في وصله ، وفصله ، لا اختلاف الحفاظ; فإنهم متفقون على أنها [ ص: 296 ] مدرجة .

على أنه قد اختلف على زهير فيه ، فرواه النفيلي وأبو النضر هاشم بن القاسم ، وموسى بن داود الضبي ، وأحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي ، وعلي بن الجعد ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وعاصم بن علي ، وأبو داود الطيالسي ، ويحيى بن أبي بكير الكرماني ، ومالك بن إسماعيل النهدي عنه ، هكذا مدرجا .

ورواه شبابة بن سوار عنه ، ففصله وبين أنه من قول عبد الله ، فقال : قال عبد الله : "فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد" . رواه الدارقطني ، وقال : شبابة ثقة . وقد فصل آخر الحديث وجعله من قول ابن مسعود ، وهو أصح من رواية من أدرج آخره . وقوله أشبه [ ص: 297 ] بالصواب; لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك ، وجعل آخره من قول ابن مسعود ، ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . ثم رواه من رواية غسان بن الربيع ، عن عبد الرحمن ابن ثابت بن ثوبان ، عن الحسن بن الحر ، به . وفي آخره : ثم قال ابن مسعود : إذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك ، فإن شئت فاثبت ، وإن شئت فانصرف . ورواه الخطيب أيضا من رواية بقية ، قال : حدثنا ابن ثوبان فاستدل الدارقطني على تصويب قول شبابة ، برواية ابن ثوبان هذه ، وباتفاق حسين الجعفي ، وابن عجلان ، ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر ، على ترك ذكره في آخر الحديث ، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة ، وعن غيره ، عن عبد الله بن مسعود على ذلك .

واعلم أن ابن الصلاح قيد هذا القسم من المدرج بكونه أدرج عقب الحديث . وقد ذكر الخطيب في المدرج ما أدخل في أول الحديث ، أو في وسطه . فأشرت إلى ذلك بقولي : ( قلت : ومنه مدرج قبل قلب ) أي : أتي به قبل الحديث المرفوع ، أو قبل آخره ، في وسطه مثلا . وقوله : ( قلب ) أي : جعل آخره أوله; لأن الغالب في المدرجات ذكرها عقب الحديث .

[ ص: 298 ] ومثال ما وصل بأول الحديث ، وهو مدرج : ما رواه الخطيب من رواية أبي قطن ، وشبابة فرقهما عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار " .

فقوله : أسبغوا الوضوء ، من قول أبي هريرة ، وصل بالحديث في أوله كذلك . رواه البخاري في صحيحه عن آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، قال : أسبغوا الوضوء ، فإن أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال : "ويل للأعقاب من النار" . قال الخطيب : وهم أبو قطن عمرو بن الهيثم ، وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه . وذلك أن قوله : " أسبغوا الوضوء " كلام أبي هريرة . وقوله : " ويل للأعقاب من النار " ، كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد رواه أبو داود الطيالسي ، ووهب بن جرير ، وآدم بن أبي إياس ، وعاصم بن علي ، وعلي بن الجعد ، وغندر ، وهشيم ، ويزيد بن زريع ، والنضر بن شميل ، ووكيع ، وعيسى بن يونس ، ومعاذ بن معاذ ; كلهم عن شعبة . وجعلوا الكلام الأول من قول أبي هريرة ، والكلام الثاني مرفوعا .

[ ص: 299 ] وقوله : ( ويل للعقب ) ، أفرد لأجل الوزن ، وكذلك هو في رواية أبي داود الطيالسي ، عن شعبة : " ويل للعقب من النار " .

ومثال المدرج في وسط الحديث ، ما رواه الدارقطني في سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة بنت صفوان قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من مس ذكره ، أو أنثييه أو رفغه ، فليتوضأ " . قال الدارقطني : كذا رواه عبد الحميد ، عن هشام ، ووهم في ذكر الأنثيين ، والرفغ ، وإدراجه ذلك في حديث بسرة . قال : والمحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع . وكذلك رواه الثقات عن هشام منهم : أيوب السختياني ، وحماد بن زيد ، وغيرهما . ثم رواه من طريق أيوب بلفظ : " من مس ذكره فليتوضأ " ، قال : وكان عروة يقول : إذا مس رفغيه ، أو أنثييه ، أو ذكره فليتوضأ . وقال الخطيب : تفرد عبد الحميد بذكر الأنثيين ، والرفغين . وليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما هو قول عروة بن الزبير ، فأدرجه الراوي في متن الحديث . وقد بين ذلك حماد وأيوب [ ص: 300 ] .

قلت : لم ينفرد به عبد الحميد . فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية أبي كامل الجحدري ، عن يزيد بن زريع ، عن أيوب ، عن هشام عن أبيه ، عن بسرة بلفظ : " إذا مس أحدكم ذكره ، أو أنثييه ، أو رفغيه ، فليتوضأ " . وعلى هذا فقد اختلف فيه على يزيد بن زريع . ورواه الدارقطني أيضا من رواية ابن جريج ، عن هشام ، عن أبيه ، عن مروان ، عن بسرة ، بلفظ : " إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه " ، ولم يذكر : الرفغ ، وزاد في السند مروان بن الحكم . وقد ضعف ابن دقيق العيد الطريق إلى الحكم بالإدراج في نحو هذا . فقال في الاقتراح: ومما يضعف فيه أن يكون مدرجا في أثناء لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لاسيما إن كان مقدما على اللفظ المروي ، أو معطوفا عليه بواو العطف ، كما لو قال من مس أنثييه أو ذكره فليتوضأ ، بتقديم لفظ الأنثيين على الذكر فهاهنا يضعف الإدراج لما فيه من اتصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو من لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - . قلت : ولا يعرف في طرق الحديث تقديم الأنثيين على الذكر ، وإنما ذكره الشيخ مثالا ، فليعلم ذلك .






الخدمات العلمية