الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين )

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 13 ] واعلم أن هذا من تمام قوله : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ) فبين تعالى أن الذي يصيبهم من القرح لا يجب أن يزيل جدهم واجتهادهم في جهاد العدو ، وذلك لأنه كما أصابهم ذلك فقد أصاب عدوهم مثله قبل ذلك ، فإذا كانوا مع باطلهم ، وسوء عاقبتهم لم يفتروا لأجل ذلك في الحرب ، فبأن لا يلحقكم الفتور مع حسن العاقبة والتمسك بالحق أولى ، وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( قرح ) بضم القاف وكذلك قوله : ( من بعد ما أصابهم القرح ) [آل عمران : 172] والباقون بفتح القاف فيهما واختلفوا على وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            فالأول : معناهما واحد ، وهما لغتان : كالجهد والجهد ، والوجد والوجد ، والضعف والضعف .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الفتح لغة تهامة والحجاز والضم لغة نجد .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنه بالفتح مصدر وبالضم اسم .

                                                                                                                                                                                                                                            والرابع : وهو قول الفراء أنه بالفتح الجراحة بعينها وبالضم ألم الجراحة .

                                                                                                                                                                                                                                            والخامس : قال ابن مقسم : هما لغتان إلا أن المفتوحة توهم أنها جمع قرحة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في الآية قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : إن يمسسكم قرح يوم أحد فقد مسهم يوم بدر ، وهو كقوله تعالى : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ) [آل عمران : 165] .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الكفار قد نالهم يوم أحد مثل ما نالكم من الجراح والقتل ؛ لأنه قتل منهم نيف وعشرون رجلا ، وقتل صاحب لوائهم والجراحات كثرت فيهم وعقر عامة خيلهم بالنبل ، وقد كانت الهزيمة عليهم في أول النهار .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل كيف قال : ( قرح مثله ) وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : يجب أن يفسر القرح في هذا التأويل بمجرد الانهزام لا بكثرة القتلى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية