الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 115 ] ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي في " منتظمه " : في غرة المحرم منها ظهرت في الجو حمرة شديدة من ناحية الشمال والمغرب ، وفيها أعمدة بيض عظيمة كثيرة العدد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وصل الخبر بأن ركن الدولة أبا علي الحسن بن بويه الديلمي وصل إلى واسط فركب الخليفة وبجكم لقتاله فانصرف راجعا ، ورجعا إلى بغداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة ملك ركن الدولة بن بويه مدينة أصبهان أخذها من وشمكير أخي مرداويج ; لقلة جيشه في ذلك الحين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان زادت دجلة زيادة عظيمة ، وانتشرت في الجانب الغربي ، وسقطت دور كثيرة ، وانبثق بثق من نواحي الأنبار فغرق قرى كثيرة ، وهلك بسببه حيوانات وسباع كثيرة في البرية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها تزوج بجكم بسارة بنت أبي عبد الله البريدي ، وهو محمد بن أحمد بن يعقوب الوزير يومئذ ببغداد ، ثم صرف عن الوزارة بسليمان بن الحسن ، وضمن البريدي بلاد واسط وأعمالها بستمائة ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 116 ] وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمد بن يوسف ، وتولى مكانه ولده أبو نصر يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف ، وخلع عليه الراضي يوم الخميس لخمس بقين من شعبان منها . ولما خرج أبو عبد الله البريدي إلى واسط كتب إلى بجكم يحثه على الخروج إلى بلاد الجبل ; ليفتحها ويساعده هو على أخذ الأهواز من يد عماد الدولة بن بويه ، وإنما كان مقصوده أن يستغيبه عن بغداد ليأخذها ، فلما انفصل بجكم بالجنود بلغه ما يؤمله أبو عبد الله البريدي من المكيدة ، فرجع سريعا إلى بغداد وركب في جيش كثيف إليه ، وأخذ الطرق من كل جانب ; لئلا يشعر به إلا وهو عنده على حافة السفينة ، فاتفق أنه كان راكبا في زورق ، وعنده كاتب له ، إذ سقطت حمامة على جانب السفينة في ذنبها كتاب ، فأخذه بجكم ، فقرأه فإذا فيه كتاب من هذا الكاتب إلى بعض أصحاب البريدي يعلمهم بخبر بجكم ، فقال له : ويحك ! أهذا خطك ؟ قال : نعم ، ولم يقدر على الإنكار ، فأمر بقتله ، فقتل ، وألقي في دجلة ، وحين أحس البريدي بقدوم بجكم هرب إلى البصرة ولم يقم بها أيضا ، فاستولى بجكم على بلاد واسط وتسلط الديلم على جيشه الذين خلفهم بالجبل ، ففروا سراعا إلى بغداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة استولى محمد بن رائق على بلاد الشام فدخل حمص أولا [ ص: 117 ] فأخذها ، ثم جاء إلى دمشق وعليها بدر بن عبد الله الإخشيدي المعروف ببدير ، من جهة الإخشيد محمد بن طغج ، فأخرجه ابن رائق منها قهرا ، واستولى عليها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ركب في جيش إلى الرملة فأخذها ، ثم قصد عريش مصر ; ليدخلها ، فلقيه محمد بن طغج ، فاقتتلا هناك ، فهزمه ابن رائق واشتغل أصحابه بالنهب ، ونزلوا في خيام المصريين ، فكر عليهم المصريون ، فقتلوهم قتلا عظيما ، وهرب محمد بن رائق في سبعين رجلا من أصحابه ، فدخل دمشق في أسوأ حالة وشرها ، وسير إليه محمد بن طغج أخاه نصر بن طغج في جيش ، فاقتتلوا عند اللجون في رابع ذي الحجة ، فهزم المصريون وقتل أخو الإخشيد فيمن قتل ، فغسله محمد بن رائق وكفنه ، وبعث به إلى أخيه بمصر ، وأرسل معه ولده ، وكتب إليه يحلف له أنه ما أراد قتله ، وهذا ولدي فاقتد منه . فأكرم الإخشيد ولد محمد بن رائق ، واصطلحا على أن تكون الرملة وما بعدها إلى ديار مصر للإخشيد ، ويحمل إليه الإخشيد في كل سنة مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار ، وما بعد الرملة يكون لمحمد بن رائق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية