الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
270 274 - حديث nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة : قالت : nindex.php?page=hadith&LINKID=650265nindex.php?page=treesubj&link=272_32589_277_278_32591_32592_32541_248وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوءا للجنابة ، فكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثا . ثم غسل فرجه ، ثم ضرب يده بالأرض - أو الحائط - مرتين أو ثلاثا . ثم تمضمض واستنشق ، وغسل وجهه وذراعيه . ثم أفاض على رأسه الماء ، ثم غسل جسده ، ثم تنحى فغسل رجليه . قالت : فأتيته بخرقة ، فلم يردها ، فجعل ينفض الماء بيده .
خرجه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14553الفضل بن موسى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش - بإسناده المتقدم .
ووجه دلالة الحديث على ما بوب عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - غسل وجهه وذراعيه ، ثم أفاض على رأسه الماء ، ثم غسل جسده . ولم يعد غسل وجهه وذراعيه ، وإنما غسل رجليه أخيرا ; لأنه لم يكن غسلهما أولا .
وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم هذا الحديث من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، وفي حديثه : ( ثم توضأ وضوءه للصلاة ، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه ، ثم غسل سائر جسده ) .
وقوله : ( غسل سائر جسده ) - يدل على أنه لم يعد غسل ما كان غسله منه قبل ذلك ; لأن ( سائر ) إنما تستعمل بمعنى ( الباقي ) لا بمعنى ( الكل ) ، على الأصح الأشهر عند أهل اللغة .
[ ص: 316 ] وكذلك خرج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12156أبي معاوية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - فذكرت الحديث ، وفي آخره : ( ثم أفاض على سائر جسده ) .
وهو أيضا : دليل على أنه لم يعد غسل ما مضى غسله منه .
والعجب من nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - كيف ذكر في تبويبه ( من توضأ للجنابة ، ثم غسل سائر جسده ) ، ولم يسق الحديث بهذا اللفظ ، وإنما تتم الدلالة به .
ومقصوده بهذا الباب أن nindex.php?page=treesubj&link=277الجنب إذا توضأ فإنه يجب عليه غسل بقية بدنه ، ولا يلزمه إعادة غسل ما غسله من أعضاء الوضوء .
والجنب له حالتان :
إحداهما : أنه لا يلزمه سوى الغسل ، وهو من nindex.php?page=treesubj&link=248أجنب من غير أن يوجد منه حدث أصغر - على قول من يقول : إن الجنابة المجردة لا توجب سوى الغسل ، كما هو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وابن حامد من أصحابنا - فهذا لا يلزمه أكثر من الغسل .
فإن بدأ بأعضاء الوضوء ، فغسلها - لم يلزمه سوى غسل بقية بدنه ، بغير تردد .
وينوي بوضوئه الغسل ، لا رفع الحدث الأصغر . صرح به الشافعية ، وهو ظاهر .
[ ص: 317 ] الحالة الثانية : أن يجتمع عليه حدث أصغر وجنابة ; إما بأن يحدث ، ثم يجنب . أو على قول من يقول : إن الجنابة بمجردها تنقض الوضوء ، وتوجب الغسل ، كما هو ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره .
فهذه المسألة قد سبقت الإشارة إليها والاختلاف فيها .
وأكثر العلماء على تداخل الوضوء والغسل في الجملة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : إذا اغتمس في النهر ، وهو جنب - أجزأه عن الجنابة والحدث .
فعلى هذا ، إذا غسل أعضاء الوضوء مرة لم يحتج إلى إعادة غسلها .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : العمل عندي في غسل الجنابة أن يبدأ الرجل بمواضع الوضوء ، ثم يغسل بعد ذلك سائر جسده .
ولكن على هذا التقدير ينوي بوضوئه رفع الحدثين عن أعضاء الوضوء . فإن نوى رفع الحدث الأصغر وحده احتاج إلى إعادة غسل أعضاء الوضوء في الغسل .
ثم إن المشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عند أصحابه كالخرقي ومن تابعه - أن الغسل والوضوء لا يتداخلان إلا بأن ينويهما كالحج والعمرة في القران ، وهو وجه للشافعية .
وعلى هذا ، فينوي بالوضوء رفع الحدث الأصغر . صرح به ابن أبي موسى من أصحابنا .
ويلزم من ذلك وجوب إعادة غسل أعضاء الوضوء في الغسل مرة أخرى .
فإن نوى بالوضوء رفع الحدثين معا لم يلزمه إعادة غسلهما مرة أخرى .
[ ص: 318 ] والمنصوص عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنهما يتداخلان بدون نية ، نص على ذلك في ( الأم ) ، وحكاه أبو حفص البرمكي رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، كما لو كانا من جنس واحد عند أكثر العلماء .
فعلى هذا ، يجزئ الوضوء بنية رفع الحدث الأكبر خاصة .
وإن نوى بالوضوء رفع الحدث الأصغر كان أفضل ، قاله بعض الشافعية . ولكن ينبغي أن يقولوا بوجوب إعادة غسل أعضاء الوضوء مرة أخرى في الغسل .
وعلى هذا التقدير ، فإن رفع الحدث الأصغر لا يندرج فيه الأكبر ، بخلاف عكسه .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رواية أنه لا يرتفع الحدث الأصغر بدون الإتيان بالوضوء ، وحكي مثله عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وداود ، وهو وجه للشافعية ; لأن سببهما مختلف ، فلم يتداخلا كحد الزنا وحد السرقة .
وعلى هذا ، فيجب غسل أعضاء الوضوء مرتين [...] : مرة للوضوء ، ومرة في الغسل . وينوي بالوضوء رفع الحدث الأصغر ، وبالغسل رفع الحدث الأكبر .
وقالت طائفة : إن غسل أعضاء الوضوء مرتبة متوالية ارتفع عنهما الحدثان ، وإذا نوى رفعهما فلا يجب عليه إلا غسل باقي بدنه للجنابة . وإن لم يغسل أعضاء الوضوء مرتبة متوالية لم يرتفع عنها سوى حدث الجنابة ، وعليه أن يأتي بالوضوء على وجهه ; ليرفع الحدث الأصغر .
[ ص: 319 ] وحكي هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، وهو قول أبي بكر بن جعفر ، ومن اتبعه من أصحابنا . واعتبروا أيضا أن يمسح رأسه .
وقد سبق نص nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على أنه لا يحتاج إلى مسح رأسه ، بل يكفيه صب الماء عليه . وهو يدل على أن خصائص الوضوء عنده كلها غير معتبرة في وضوء غسل الجنابة .
وهو أيضا وجه لأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، لكنهم لا يعتبرون الموالاة ولا نية الحدث الأصغر ، على الصحيح عندهم . وعندنا هما معتبران على الصحيح .
وزعم nindex.php?page=showalam&ids=14242أبو بكر الخلال أن هذا القول هو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، ووهم من حكى عنه خلافه ; فإن حنبلا نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في nindex.php?page=treesubj&link=267جنب اغتسل وعليه خاتم ضيق ، لم يحركه ، فصلى ، ثم ذكر - قال : يغسل موضعه ، ويعيد الصلاة .
قال الخلال : هذا وهم من nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل لا شك فيه ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عنده أن من لم يحرك خاتمه الضيق في الوضوء وصلى ، أنه يعيد الوضوء والصلاة .
قال أبو بكر ابن جعفر في كتاب ( الشافي ) : هذا يدل على أنه لا بد في غسل الجنابة من الوضوء .
قلت : إنما قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : ( يعيد الوضوء والصلاة ) - في المحدث حدثا أصغر . فأما الجنب فإن المنصوص عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أنه إذا انغمس في ماء وتمضمض ، واستنشق - أنه يجزئه ، بخلاف من يريد الوضوء ; فإنه يلزمه الترتيب والمسح .
ولكن الخلال تأول كلامه على أن الجنب يجزئه انغماسه في الماء من [ ص: 320 ] غسل الجنابة ، وأما عن الوضوء فلا يجزئه حتى يرتب ، كالمحدث الحدث الأصغر بانفراده .
ونقول : إن قول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : ( nindex.php?page=treesubj&link=726إذا انغمس وأراد الوضوء لا يجزئه ) – عام فيمن أراد الوضوء وهو جنب أو محدث .
والذي عليه عامة الأصحاب ، كالخرقي وابن أبي موسى nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى وأصحابه - خلاف [ذلك] ، وأن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد إنما أراد المحدث حدثا أصغر .
ورواية nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل هذه صريحة في هذا المعنى ، وقول الخلال : ( إنها وهم بغير شك ) - غير مقبول ، والله سبحانه وتعالى أعلم .