الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حبس ]

                                                          حبس : حبسه يحبسه حبسا ، فهو محبوس وحبيس ، واحتبسه وحبسه : أمسكه عن وجهه . والحبس : ضد التخلية . واحتبسه واحتبس بنفسه ، يتعدى ولا يتعدى . وتحبس على كذا أي حبس نفسه على ذلك . والحبسة ، بالضم : الاسم من الاحتباس . يقال : الصمت حبسة . سيبويه : حبسه ضبطه واحتبسه اتخذه حبيسا ، وقيل : احتباسك إياه اختصاصك نفسك به ؛ تقول : احتبست الشيء إذا اختصصته لنفسك خاصة . والحبس والمحبسة والمحبس : اسم الموضع . وقال بعضهم : المحبس يكون مصدرا كالحبس ، ونظيره قوله تعالى : إلى الله مرجعكم أي رجوعكم ؛ ويسألونك عن المحيض أي الحيض ؛ ومثله ما أنشده سيبويه للراعي :


                                                          بنيت مرافقهن فوق مزلة لا يستطيع بها القراد مقيلا



                                                          أي قيلولة . قال ابن سيده : وليس هذا بمطرد إنما يقتصر منه على ما سمع . قال سيبويه : المحبس على قياسهم الموضع الذي يحبس فيه ، والمحبس المصدر . الليث : المحبس يكون سجنا ويكون فعلا كالحبس . وإبل محبسة : داجنة كأنها قد حبست عن الرعي . وفي حديث طهفة : لا يحبس دركم أي لا تحبس ذوات الدر ، وهو اللبن ، عن المرعى بحشرها وسوقها إلى المصدق ليأخذ ما عليها من الزكاة لما في ذلك من الإضرار بها . وفي حديث الحديبية : حبسها حابس الفيل ؛ هو فيل أبرهة الحبشي الذي جاء يقصد خراب الكعبة فحبس الله الفيل فلم يدخل الحرم ورد رأسه راجعا من حيث جاء ، يعني أن الله حبس ناقة رسوله لما وصل إلى الحديبية فلم تتقدم ولم تدخل الحرم لأنه أراد أن يدخل مكة بالمسلمين . وفي حديث الحجاج : إن الإبل ضمر حبس ما جشمت جشمت ؛ قال ابن الأثير : هكذا رواه الزمخشري وقال : الحبس جمع حابس من حبسه إذا أخره ، أي أنها صوابر على العطش تؤخر الشرب ، والرواية بالخاء والنون . والمحبس : معلف الدابة . والمحبس : المقرمة يعني الستر ، وقد حبس الفراش بالمحبس ، وهي المقرمة التي تبسط على وجه الفراش للنوم . وفي النوادر : جعلني الله ربيطة لكذا وحبيسة أي تذهب فتفعل الشيء وأوخذ به . وزق حابس : ممسك للماء وتسمى مصنعة الماء حابسا ، والحبس ، بالضم : ما وقف . وحبس الفرس في سبيل الله وأحبسه ، فهو محبس وحبيس والأنثى حبيسة ، والجمع حبائس ؛ قال ذو الرمة :


                                                          سبحلا أبا شرخين أحيا بناته     مقاليتها ، فهي اللباب الحبائس



                                                          وفي الحديث : ذلك حبيس في سبيل الله ؛ أي موقوف على الغزاة يركبونه في الجهاد ، والحبيس فعيل بمعنى مفعول . وكل ما حبس بوجه من الوجوه حبيس . الليث : الحبيس الفرس يجعل حبيسا في سبيل الله يغزى عليه . الأزهري : والحبس جمع الحبيس يقع على كل شيء ، وقفه صاحبه وقفا محرما لا يورث ولا يباع من أرض ونخل وكرم ومستغل يحبس أصله وقفا مؤبدا وتسبل ثمرته تقربا إلى الله عز وجل ، كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعمر في نخل له أراد أن يتقرب بصدقته إلى الله عز وجل فقال له : حبس الأصل وسبل الثمرة ؛ أي اجعله وقفا حبسا ، ومعنى تحبيسه أن لا يورث ولا يباع ولا يوهب ولكن يترك أصله ويجعل ثمره في سبل الخير ، وأما ما روي عن شريح [ ص: 15 ] أنه قال : جاء محمد ، صلى الله عليه وسلم ، بإطلاق الحبس فإنما أراد بها الحبس ، هو جمع حبيس ، وهو بضم الباء ، وأراد بها ما كان أهل الجاهلية يحبسونه من السوائب والبحائر والحوامي وما أشبهها ، فنزل القرآن بإحلال ما كانوا يحرمون منها وإطلاق ما حبسوا بغير أمر الله منها . قال ابن الأثير : وهو في كتاب الهروي بإسكان الباء لأنه عطف عليه الحبس الذي هو الوقف ، فإن صح فيكون قد خفف الضمة ، كما قالوا في جمع رغيف رغف ، بالسكون ، والأصل الضم ، أو أنه أراد به الواحد . قال الأزهري : وأما الحبس التي وردت السنة بتحبيس أصلها وتسبيل ثمرها فهي جارية على ما سنها المصطفى ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى ما أمر به عمر ، رضي الله عنه ، فيها . وفي حديث الزكاة : أن خالدا جعل رقيقه وأعتده حبسا في سبيل الله ؛ أي وقفا على المجاهدين وغيرهم . يقال : حبست أحبس حبسا وأحبست أحبس إحباسا أي وقفت ، والاسم الحبس ، بالضم ؛ والأعتد : جمع العتاد وهو ما أعده الإنسان من آلة الحرب ، وقد تقدم . وفي حديث ابن عباس : لما نزلت آية الفرائض قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : لا حبس بعد سورة النساء ، أي لا يوقف مال ولا يزوى عن وارثه ، إشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من حبس مال الميت ونسائه ، كانوا إذا كرهوا النساء لقبح أو قلة مال حبسوهن عن الأزواج لأن أولياء الميت كانوا أولى بهن عندهم . قال ابن الأثير : وقوله لا حبس ، يجوز بفتح الحاء على المصدر وبضمها على الاسم . والحبس : كل ما سد به مجرى الوادي في أي موضع حبس ؛ وقيل : الحبس حجارة أو خشب تبنى في مجرى الماء لتحبسه كي يشرب القوم ويسقوا أموالهم ، والجمع أحباس ، سمي الماء به حبسا كما يقال له نهي ؛ قال أبو زرعة التيمي :


                                                          من كعثب مستوفز المجس     راب منيف مثل عرض الترس
                                                          فشمت فيها كعمود الحبس     أمعسها يا صاح ، أي معس
                                                          حتى شفيت نفسها من نفسي     تلك سليمى ، فاعلمن ، عرسي

                                                          .

                                                          الكعثب : الركب . والمعس : النكاح مثل معس الأديم إذا دبغ ودلك دلكا شديدا فذلك معسه . وفي الحديث : أنه سأل أين حبس سيل فإنه يوشك أن يخرج منه نار تضيء منها أعناق الإبل ببصرى ؛ هو من ذلك . وقيل : هو فلوق في الحرة يجتمع فيها ماء لو وردت عليه أمة لوسعهم . وحبس سيل : اسم موضع بحرة بني سليم ، بينها وبين السوارقية مسيرة يوم ، وقيل : حبس سيل ، بضم الحاء ، الموضع المذكور . والحباسة والحباسة كالحبس ؛ أبو عمرو : الحبس مثل المصنعة يجعل للماء ، وجمعه أحباس . والحبس : الماء المستنقع ، قال الليث : شيء يحبس به الماء نحو الحباس في المزرفة يحبس به فضول الماء ، والحباسة في كلام العرب : المزرفة ، وهي الحباسات في الأرض قد أحاطت بالدبرة ، وهي المشارة يحبس فيها الماء حتى تمتلئ ثم يساق الماء إلى غيرها . ابن الأعرابي : الحبس الشجاعة ، والحبس ، بالكسر ، حجارة تكون في فوهة النهر تمنع طغيان الماء . والحبس : نطاق الهودج . والحبس : المقرمة . والحبس : سوار من فضة يجعل في وسط القرام ، وهو ستر يجمع به ليضيء البيت . وكلأ حابس : كثير يحبس المال . والحبسة والاحتباس في الكلام : التوقف . وتحبس في الكلام : توقف . قال المبرد في باب علل اللسان : الحبسة تعذر الكلام عند إرادته ، والعقلة التواء اللسان عند إرادة الكلام . ابن الأعرابي : يكون الجبل خوعا أي أبيض ويكون فيه بقعة سوداء ، ويكون الجبل حبسا أي أسود ويكون فيه بقعة بيضاء . وفي حديث الفتح : أنه بعث أبا عبيدة على الحبس ؛ قال القتيبي : هم الرجالة ، سموا بذلك لتحبسهم عن الركبان وتأخرهم ؛ قال : وأحسب الواحد حبيسا ، فعيل بمعنى مفعول ، ويجوز أن يكون حابسا كأنه يحبس من يسير من الركبان بمسيره . قال ابن الأثير : وأكثر ما يروى الحبس ، بتشديد الباء وفتحها ، فإن صحت الرواية فلا يكون واحدها إلا حابسا كشاهد وشهد ، قال : وأما حبيس فلا يعرف في جمع فعيل فعل ، وإنما يعرف فيه فعل كنذير ونذر ، وقال الزمخشري : الحبس ، بضم الباء والتخفيف ، الرجالة ، سموا بذلك لحبسهم الخيالة ببطء مشيهم ، كأنه جمع حبوس ، أو لأنهم يتخلفون عنهم ويحتبسون عن بلوغهم كأنه جمع حبيس ؛ الأزهري : وقول العجاج :


                                                          حتف الحمام والنحوس النحسا



                                                          التي لا يدري كيف يتجه لها .


                                                          وحابس الناس الأمور الحبسا



                                                          أراد : وحابس الناس الحبس الأمور ، فقلبه ونصبه ، ومثله كثير . وقد سمت حابسا وحبيسا ، والحبس : موضع . وفي الحديث ذكر ذات حبيس ، بفتح الحاء وكسر الباء ، وهو موضع بمكة . وحبيس أيضا : موضع بالرقة به قبور شهداء صفين . وحابس : اسم أبي الأقرع التميمي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية