الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الغفران والرحمة ولقاء الأب لابنه الحبيب

                                                          قال تعالى:

                                                          ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم [ ص: 3858 ] فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نـزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين

                                                          * * *

                                                          كان صفح يوسف الجميل هو الخطوة الأولى لجمع الشمل، وما أشبه ذلك بصفح محمد - صلى الله عليه وسلم - عن قريش الذين أخرجوه، وقتلوا أحبته من المؤمنين، من وقت مبعثه إلى فتح مكة، فاستمر الأذى عشرين سنة أو تزيد، ومع ذلك ما إن بعثهم، حتى قال مقالة يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وموقف محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كان جليلا عظيما، يعاظم بعظم ما ارتكبوا في جنبه تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض

                                                          صفح عنهم يوسف، والتفت إلى أبيه الشيخ الحزين الأسيف، وكان أن أرسل القميص، وعادت العير إلى البدو حاملة القميص، وقد كان معطرا بعطر [ ص: 3859 ] ملوك مصر، وقد قالوا: إن عبيقه شمه نبي الله يعقوب من نحو ثمانين فرسخا، وقد يقال إنه إلهام النبوة، جعله يشم رائحة يوسف من مكان بعيد، ويقول عليه السلام: لولا أن تفندون أي: إلا أن تنسبوني إلى الفند، والفند نقصان عقل بسبب الشيخوخة، وما هي شيخوخة، ولكنها نبوة وشفقة أبوة. و: (لولا) حرف شرط وتعليق، وجوابه محذوف، أي: لولا أن تفندوني لصدقتم ولآمنتم بالحق، وتقدير التفنيد لعقليتهم غير المدركة، لا للأمر في ذاته.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية