[ ص: 188 ] [ ص: 189 ] 14 كتاب الوتر
[ ص: 190 ] [ ص: 191 ] بسم الله الرحمن الرحيم
1 - أبواب الوتر
1 - باب ما جاء في الوتر
فيه أربعة أحاديث:
الحديث الأول:
990 - حدثنا أنا عبد الله بن يوسف: عن مالك، نافع عن وعبد الله بن دينار ابن عمر توتر له ما قد صلى" صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة، . أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "
946 991 - وعن أن نافع، كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته. عبد الله بن عمر
كتاب الوتر
التالي
السابق
قوله - صلى الله عليه وسلم-: " صلاة الليل مثنى مثنى" - يعني: ركعتين ركعتين.
والمراد: أنه يسلم في كل ركعتين، وبذلك فسره . ابن عمر
أخرجه في " صحيحه". مسلم
ويدل بمفهومه على أن صلاة النهار ليست كذلك، وأنه يجوز أن تصلى أربعا.
[ ص: 192 ] وقد كان - وهو راوي الحديث - يصلي بالنهار أربعا، فدل على أنه عمل بمفهوم ما روى. ابن عمر
فروى يحيى الأنصاري ، عن وعبيد الله بن عمر ، أن نافع كان يتطوع بالنهار " بأربع"، لا يفصل بينهن . ابن عمر
وبهذا رد وغيره الحديث المروي، عن يحيى بن معين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " ابن عمر ". صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، من رواية وابن ماجه ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء علي الأزدي ، عن . ابن عمر
وقد أعله ، بأن الترمذي اختلف عليه في رفعه ووقفه. شعبة
وذكر الإمام : أن أحمد كان يتهيبه. شعبة
وأعله وغيره، بأن أصحاب ابن معين الحفاظ رووا كلهم، عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: " ابن عمر من غير ذكر النهار، أكثر من خمسة عشر نفسا، فلا يقبل تفرد صلاة الليل مثنى مثنى"، علي الأزدي بما يخالفهم.
وأعله الإمام وغيره بأنه روي عن أحمد ، أنه كان يصلي بالنهار أربعا، فلو كان عنده نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يخالفه. ابن عمر
وتوقف - في رواية، عنه - في حديث أحمد الأزدي .
وقال - مرة-: إسناده جيد، ونحن لا نتقيه.
وقد روي، عن موقوفا عليه - أيضا- " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". ابن عمر
[ ص: 193 ] وروي عنه - مرفوعا - من وجه آخر.
وقيل: إنه ليس بمحفوظ.
قاله وغيره. الدارقطني
وذكر أنه بلغه، أن مالك، كان يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين. ابن عمر
قلت: من يقول: لا مفهوم لقوله - صلى الله عليه وسلم-: " يقول: إن ذكر الليل إنما كان جوابا لسؤال سائل، سأل عن صلاة الليل، ومثل هذا يدفع أن يكون له مفهوم معتبر. والله سبحانه وتعالى أعلم. صلاة الليل مثنى مثنى"
وقد بوب في " أبواب صلاة التطوع" على أن " صلاة النهار مثنى مثنى"، ويأتي الكلام فيه في موضعه - إن شاء الله تعالى. البخاري
والكلام هنا في صلاة الليل.
وهذا الحديث: يدل على أن سوى ركعة الوتر، فإنها واحدة. التطوع بالليل كله مثنى مثنى،
وقد عارض هذا حديث الذي خرجه عائشة ، خرجه من طريق مسلم ، عن أبيه، عن هشام بن عروة ، عائشة . أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل ثلاث [ ص: 194 ] عشرة ركعة، يوتر في ذلك بخمس، لا يجلس في شيء منهن، إلا في آخرهن
وقد تكلم في حديث هشام هذا غير واحد.
قال : قد أنكره ابن عبد البر . وقال: مذ صار مالك هشام إلى العراق أتانا عنه ما لم يعرف منه.
وقد أعله ، بأن يقال في حديثه: " كان يوتر بواحدة"، كذا رواه الأثرم وغيره عن مالك . الزهري
ورواه عمرو بن الحارث ويونس ، عن ، وفي حديثهما: " يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة". الزهري
وقد خرجه من طريقهما - أيضا. مسلم
وكذا رواه ابن أبي ذئب ، عن والأوزاعي . الزهري
خرج حديثهما . أبو داود
قال : وقد روى هذا الحديث عن الأثرم غير واحد، لم يذكروا في حديثهم ما ذكره عائشة هشام عن أبيه، من سرد الخمس.
ورواه ، عن القاسم ، في حديثه: " يوتر بواحدة". عائشة
ولم يوافق هشاما على قوله إلا ، فرواه عن ابن إسحاق محمد بن جعفر بن الزبير ، عن ، عن عروة بن الزبير - بنحو رواية عائشة هشام .
وخرجه من طريقه كذلك. أبو داود
[ ص: 195 ] ورواه - أيضا- سعد بن هشام ، عن ، واختلف عليه فيه: عائشة
فخرجه من رواية مسلم ، عن قتادة ، زرارة بن أوفى سعد بن هشام ، أنه سأل عن وتر النبي - صلى الله عليه وسلم- فقالت: كان يصلي تسع ركعات، لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة، فلما أسن نبي الله - صلى الله عليه وسلم- وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني. عائشة عن
وفي رواية له: أن أخبره قتادة سعد بن هشام بهذا، وكان جارا له.
وقد خرجه بلفظ آخر، وهو: أبو داود أنه - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ثمان ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله، ثم يدعو، ثم يسلم تسليما، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة.
وفي هذه الرواية: أنه كان يصلي الركعتين جالسا قبل الوتر، ثم يوتر بعدها بواحدة.
وهذا يخالف ما في رواية مسلم.
ورواه سعد بن هشام ، عن ، واختلف عليه في لفظه: عائشة
فروي عنه: الوتر بتسع، وروي عنه: بواحدة.
[ ص: 196 ] ورواه عن أبان بهذا الإسناد، ولفظه: قتادة
قال الإمام كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث، ولا يقعد إلا في آخرهن. : فهذه الرواية خطأ. أحمد
يشير إلى أنها مختصرة من رواية المبسوطة. قتادة
وقد روي في هذا المعنى من حديث ابن عباس . وأم سلمة
وقد تكلم في إسنادهما. الأثرم
وطعن في حديث البخاري بانقطاعه، وذكر أن حديث أم سلمة في الوتر بركعة أصح من ذلك. ابن عمر
وكذلك الروايات الصحيحة عن في وصفه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ليلة بات عند خالته ابن عباس ، يدل عليه: أنه - صلى الله عليه وسلم- من كل ركعتين وأوتر بواحدة. ميمونة
فلهذا رجحت طائفة حديث ابن عمر ، وقالوا: لا يصلي بالليل إلا مثنى مثنى، ويوتر بواحدة. وابن عباس
وهذه طريقة البخاري . والأثرم
وقال : هو قول ابن عبد البر أهل الحجاز ، وبعض أهل العراق .
ثم حكى عن مالك والشافعي وابن أبي ليلى وأبي يوسف ، أن صلاة [ ص: 197 ] الليل مثنى مثنى. ومحمد
قال: وقال في صلاة الليل: إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعا، وإن شئت ستا وثمانيا، لا تسلم إلا في آخرهن. أبو حنيفة
وقال الثوري والحسن بن حي : صلاة الليل ما شئت، بعد أن تقعد في كل ركعتين وتسلم في آخرهن.
وحكى في " كتابه" أن العمل عند أهل العلم على أن صلاة الليل مثنى مثنى. الترمذي
قال: وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد . وإسحاق
وحكاه وغيره عن ابن المنذر ابن عمر ، وعن وعمار الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير وحماد ومالك . والأوزاعي
وحكي عن ، أنه قال: في صلاة الليل والنهار: يجزئك التشهد. عطاء
وهذا يشبه ما حكاه ، عن ابن عبد البر الثوري والحسن بن حي .
وهو مبني على أن السلام ليس من الصلاة، وأنه يخرج منها بدونه، كما سبق ذكره.
وقد روي عن نحوه. النخعي
ومذهب الذي حكاه أصحابه أنه لا بأس أن يصلي بالليل والنهار أربعا أو ستا أو أكثر من ذلك، لا يفصل بينهن إلا في آخرهن. سفيان
قال: وإذا صلى بالليل مثنى، فهو أحب إلي.
وحمل هؤلاء كلهم قول : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي أربعا، ثم أربعا" على أنه كان لا يسلم بينها، وسيأتي حديثها بذلك - إن شاء الله سبحانه وتعالى. عائشة
[ ص: 198 ] وحمله الآخرون على أنه كان يفصل بينها بسلام.
وهذا كله في التطوع المطلق في الليل، فأما الوتر فاختلفوا فيه على أقوال:
أحدها: أنه ركعة واحدة، مفصولة مما قبلها، على مقتضى حديث ، وبعض ألفاظ حديث ابن عمر . عائشة
قال : روينا عن ابن المنذر ، أنه يقول: الوتر ركعة. ويقول: كان ذلك وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ابن عمر وأبي بكر . وعمر
قال: وممن روينا عنه: الوتر ركعة: عثمان وسعد وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية وأبو موسى وابن الزبير ، وفعله وعائشة معاذ القارئ ، ومعه رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا ينكر ذلك منهم أحد.
وبه قال ابن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، غير أن وأبو ثور مالكا والأوزاعي والشافعي وأحمد رأوا أن يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يوتر بركعة. انتهى. وإسحاق
وذكر وغيره: أن عمل الزهري المدينة كان على ذلك إلى زمن الخيرة.
وممن قال: الوتر ركعة - أيضا-: فقهاء أهل الحديث؛ سليمان بن داود [ ص: 199 ] الهاشمي وأبو خيثمة وغيرهم. وأبو بكر بن أبي شيبة
والأفضل عندهم: أن يصلي ركعة يوتر بها بعد ركعتين.
أما إن اقتصر على ركعة يوتر بها، ففي كراهته قولان:
أحدهما: أنه يكره. وهو قول - في أكثر الروايات، عنه. أحمد
ويستثنى من ذلك من يستيقظ قرب الفجر، ويخاف أن يطلع عليه الفجر، فيوتر بواحدة.
وهو قول ، قال: إلا من عذر؛ مرض أو سفر. إسحاق
وكذا قال أبو بكر من أصحابنا.
قال : إنما جاء الوتر بركعة بعد تطوع مثنى. أحمد
وقال : إن خشي الفجر فأوتر بواحدة أجزأه، والثلاث أحب إلينا. سفيان
ومذهب : لا بد أن يكون قبل ركعة الوتر شفع يسلم بينهما في الحضر والسفر. مالك
وقال : ما أحب أن يكون وتري إلا على صلاة. مجاهد
وروى ، بإسناد فيه نظر، عن ابن عبد البر عثمان بن محمد بن ربيعة ، عن ، عن الدراوردي عمرو بن يحيى ، عن أبيه، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أبي سعيد . أنه نهى عن البتيراء، أن يصلي الرجل ركعة واحدة، يوتر بها
هذا، قال وعثمان : الغالب على حديثه الوهم. العقيلي
وقبله في الإسناد من لا يعرف.
وقد روي هذا - مرسلا.
[ ص: 200 ] خرجه ، من حديث سعيد بن منصور ، مرسلا. محمد بن كعب القرظي
والقول الثاني: لا يكره.
وروي عن ، سعد بن أبي وقاص ، وأبي موسى أنهم فعلوه. ومعاوية
وعن ، أنه صوب فعل ابن عباس . معاوية
وقال - في رواية أحمد الشالنجي -: لا بأس به.
وهو قول . الشافعي
واختلف أصحابه: هل الركعة المفردة أفضل من ثلاث موصولة ؟ على وجهين لهم.
ومنهم من قال: المنفردة أفضل من إحدى عشرة موصولة.
وقال : حدثني الأوزاعي المطلب بن عبد الله المخزومي ، قال: أتى رجل، فقال: كيف أوتر؟ قال: أوتر بواحدة، قال: إني أخشى أن يقول الناس: إنها البتيراء، قال: سنة الله ورسوله، يريد: هذه سنة الله ورسوله . ابن عمر
المطلب ، لم يسمع من . ابن عمر
وروى ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب أبي منصور مولى سعد بن أبي وقاص ، قال: سألت عن الوتر، فقال: وتر الليل واحدة، بذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قلت: يا ابن عمر أبا عبد الرحمن ، إن الناس يقولون: البتيراء؟ قال: يا بني، ليس تلك البتيراء، إنما البتيراء أن يصلي الرجل الركعة [ ص: 201 ] التامة في ركوعها وسجودها وقيامها، ثم يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعا ولا سجودا ولا قياما، فتلك البتيراء.
خرجهما . البيهقي
وأجاز وأصحابه أحمد : أن يوتر بثلاث موصولة، وأن يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، وبتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يسلم; لما جاء في حديث وإسحاق المتقدم. عائشة
وجعلوا هذه النصوص خاصة، تخص عموم حديث صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا - في التسع والسبع والخمس-: الأفضل أن تكون بسلام واحد لذلك.
فأما الوتر بسبع، فنص على أنه لا يجلس إلا في آخرهن. أحمد
ومن أصحابنا من قال: يجلس عقيب السادسة بتشهد، ولا يسلم.
وقد اختلف ألفاظ حديث في ذلك. عائشة
فأما الوتر بإحدى عشرة، فيكون بست تسليمات، وإن صلاه بتسليمة واحدة، وتشهد عقب العاشرة، ولم يسلم جاز، قاله بعض [...]
ومنهم من حكى في الجميع وجهين:
أحدهما: أن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين، وصححه غير واحد من أصحابنا.
والثاني: الأفضل سرد الجميع بسلام واحد، ولا يجلس إلا في آخر الإشفاع، فيتشهد، ثم يصلي ركعة ويسلم.
[ ص: 202 ] ومذهب : إن أوتر بإحدى عشرة ركعة سلم في كل ركعتين. إسحاق
ويجوز عند أصحابنا أن يتطوع بأربع، وبأكثر من أربع، بسلام واحد، وحكوه عن أكثر العلماء، إلا عن محمد بن الحسن ، فإنهما قالا: لا بد أن يتشهد عقيب كل ركعتين. وزفر
وفي صحة التنفل بالإشفاع، كثلاث ركعات، وخمس ركعات، وسبع في غير صلاة الوتر عن روايتان. أحمد
ومذهب وأصحابه أنه يجوز أن يصلي بسلام واحد، ما شاء من الركعات، من واحدة إلى ما لا نهاية له بالليل والنهار، وإن كان الأفضل أن يسلم فيهما في كل ركعتين، والوتر وغيره. الشافعي
ونص في " الإملاء" على أنه يجوز له أن يصلي عددا لا يعلمه، ثم يسلم، كما روى عن الشافعي أنه فعله. أبي ذر
ولأصحابه وجه: أنه لا يجوز الزيادة على ثلاثة عشر ركعة بتسليمة واحدة; لأنه أكثر المنقول في الوتر، وهو ضعيف عندهم.
فإن صلى ركعة واحدة تشهد عقيبها وسلم، وإن صلى أكثر من ذلك فله أن يقتصر على تشهد في آخر الركعات - وإن كثرت- ويسلم عقيبه بغير خلاف عندهم، إلا في وجه ضعيف لا يعبأ به.
وإن أراد الزيادة على تشهد واحد، ففيه أوجه لهم:
أحدها: أن له أن يتشهد في كل ركعتين، وإن كثرت التشهدات، ويتشهد في الأخيرة، وله أن يتشهد في كل أربع، أو ثلاث أو ست، أو غير ذلك.
ولا يجوز أن يتشهد في كل ركعة; لأنه اختراع صورة في الصلاة لا عهد بها.
[ ص: 203 ] والثاني: له أن يتشهد في كل ركعتين، وفي كل ركعة، وضعفه المحققون منهم.
والثالث: لا يجلس إلا في الأخيرة، وغلطوه - أيضا.
والرابع: لا يجوز الزيادة على تشهدين بحال في الصلاة الواحدة، ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين، إن كان العدد شفعا، وإن كان وترا لم يجز بينهما أكثر من ركعة.
قال صاحب " شرح المهذب": وهو قوي، وظواهر السنة تقتضيه.
وهذا كله في النوافل المطلقة، فأما في الوتر بخصوصه، فهل يجوز أن يزاد فيه على تشهدين؟ فيه وجهان:
أصحهما - عندهم-: لا يجوز; لأنه خلاف المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولأن النوافل المطلقة لا حصر لركعاتها وتشهداتها، بخلاف الوتر.
وذهبت طائفة إلى أنها لا تجوز الزيادة على ركعتين بتسليمة واحدة، ولا زيادة الوتر على ركعة.
وهو الذي رجحه ، وقال: لم يصح في الوتر بثلاث، فما زاد من غير تسليم حديث واحد، ولا أكثر منه. الأثرم
وذهب وأصحابه إلى أن الوتر بثلاث ركعات بتشهدين من غير تسليم كالمغرب لا يجوز زيادته ولا نقصه. أبو حنيفة
وروي الوتر بثلاث عن جماعة من الصحابة والتابعين.
وحكاه ، عن الحسن عمر . وأبي بن كعب
وهو منقطع عنهما.
[ ص: 204 ] وروى ، عن الأعمش مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال: قال : الوتر بثلاث كوتر النهار المغرب عبد الله بن مسعود
قال : هو صحيح عن البيهقي ، ورفعه رجل ضعيف عن ابن مسعود ، وكذا قال الأعمش : إن رفعه لا يصح. الدارقطني
وروي - أيضا- عن . أنس بن مالك
وهو قول ، ابن المسيب وأبي العالية ومكحول والنخعي . وعمر بن عبد العزيز
وقال : إن فصل فحسن، وإن لم يفصل فحسن. الأوزاعي
وأجاز الفصل وتركه، والفصل عنده أحمد أحسن ، وقال: الأحاديث فيه أقوى وأكثر وأثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
وكذلك مذهب ، كما سبق. الشافعي
ولأصحابنا وجه: أن الوتر بثلاث موصولة يكون بتشهد واحد.
وروي عن ، أنه كان يوتر بثلاث لا يجلس فيهن، ولا يتشهد إلا في آخرهن. عطاء
وروى في " تاريخه" بإسناده، عن البخاري إسماعيل بن زيد بن ثابت ، أن زيدا كان يوتر بخمس، لا يسلم إلا في الخامسة، وكان أبي يفعله.
قال : كذا وجدته " البيهقي أبي " مقيدا.
يعني: بالتشديد، يريد: ابن أبي بن كعب .
[ ص: 205 ] وروى ، عن وكيع ، عن بعض أصحابه، قال: قال الأعمش عبد الله : الوتر سبع أو خمس، ولا أقل من ثلاث.
وروي عن ، عن عراك ، قال: لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة أو أكثر من ذلك. أبي هريرة
وروي عنه، مرفوعا.
خرجه ، وصححه. الحاكم
وفي رفعه نكارة.
وقال : أوتر بخمس، أو بثلاث، أو بواحدة . أبو أيوب الأنصاري
خرجه وغيره - موقوفا. النسائي
وخرجه أبو داود - أيضا- والنسائي مرفوعا. وابن ماجه
والموقوف أصح عند أبي حاتم والنسائي وغيرهم. والأثرم
وقال : كانوا يوترون بخمس، وبثلاث، وبركعة، ويرون كل ذلك حسنا. ابن سيرين
خرجه . الترمذي
قال: وقال : إن شئت أوترت بخمس، وإن شئت أوترت بثلاث، وإن شئت أوترت بواحدة، قال: والذي أستحب: أن يوتر بثلاث. سفيان
[ ص: 206 ] وحكى أصحاب ، عنه، أنه إن شاء أوتر بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة، لا يسلم إلا في آخرهن، إذا فرغ. سفيان
ومن العلماء من قال: الوتر ثلاث عشرة، وهو قول بعض الشافعية، ووجه لأصحابنا.
ولو زاد على ذلك لم يجز ولم يصح وتره عند جمهور الشافعية.
ولهم وجه آخر: بصحته وجوازه.
وهذا إذا كان الجميع بسلام واحد، أو نوى بالجميع الوتر.
وروى بإسناده، عن الشافعي ، عن كريب ، قال: هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك، الوتر ما شاء. ابن عباس
وقد كره قوم الوتر بثلاث، وقالوا: لا يكون إلا سبع أو خمس.
فروى ، شعبة عن الحكم ، قال: قلت لمقسم : إني أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثم أخرج إلى الصلاة; خشية أن تفوتني؟ قال: إن ذلك لا يصلح إلا بخمس، أو سبع، فسألته عمن؟ فقال: عن الثقة، عن الثقة، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم. وميمونة
خرجه الإمام . أحمد
وروى بإسناده، عن الشافعي ، أنه كان يوتر بخمس أو سبع ابن مسعود
وبإسناد منقطع عنه، أنه كان يكره أن يكون ثلاثا تترى، ولكن خمسا أو سبعا
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث : " ابن عمر يدل على أن هذه الركعة [ ص: 207 ] الواحدة جعلت مجموع ما صلى قبلها وترا، فيكون الوتر هو مجموع صلاة الليل الذي يختم بوتر. صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى"
وهذا قول ، واستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " إسحاق بن راهويه وإنما أراد صلاة الليل. أوتروا يا أهل القرآن"،
وقالت طائفة: الوتر هو الركعة الأخيرة، وما قبله فليس منه.
وهو قول طائفة من أصحابنا، منهم: الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى .
وفي كلام ما يدل عليه. أحمد
ومن أصحابنا من قال: الجميع وتر.
وقد اختلفت الرواية عن أحمد وقلنا: يقضيه، هل يقضي ركعة واحدة؟ أو ثلاث ركعات؟ على روايتين، عنه. فيمن فاته الوتر،
ويحسن أن يكون مأخذهما أن الوتر: هل هو الركعة الواحدة، وما قبله تنفل مطلق؟ أو الوتر مجموع الثلاث؟
وإلى هذا أشار أبو حفص البرمكي من أصحابنا.
وقد نقل وغيره عن الأثرم ، أنه إذا قضى الوتر بعد طلوع الفجر فإنه يقضي ثلاث ركعات. أحمد
[ ص: 208 ] وقال: لم يرد التطوع، وإنما أراد الوتر.
وهذا ظاهر في أن المجموع وتر، ويحتمل أن يكون مراده أن الركعتين قبل الوتر متأكدة تابعة للوتر، فتقضى معه في أوقات النهي أيضا.
وقد تقدم عن المالكية أن ما قبل الوتر هو شفع له.
وقاله بعض أصحابنا أيضا.
وقد ذكر : أن أصحاب أبو عمرو ابن الصلاح اختلفوا في ذلك على أوجه: الشافعي
أحدها: أن من أوتر بثلاث ينوي بالركعتين مقدمة الوتر، وبالأخيرة الوتر، قاله . أبو محمد الجويني
والثاني: أنه ينوي بالركعتين سنة الوتر وبالثالثة الوتر، حكاه الروياني .
قال: وفي هذين الوجهين تخصيص للوتر بالركعة الأخيرة، والثاني يشعر بأن للوتر سنة، ولا عهد لنا بسنة لها سنة هي صلاة.
وفي الوجهين أن الركعتين قبل الوتر لهما تعلق بالوتر.
والثالث: أن ينوي بما قبل الركعة الأخيرة التهجد أو قيام الليل، وفي هذا قطع لذلك عن الوتر.
قال: وما اتفقت عليه هذه الوجوه من تخصيص الوتر بالركعة المفردة على وفق قول في رواية الشافعي : الوتر ركعة واحدة. البويطي
وقال : لا يختلف قول الماوردي : أن الوتر ركعة واحدة. الشافعي
ويشهد للوجه الثالث حديث : " ابن عمر صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة".
[ ص: 209 ] والرابع: أنه ينوي بالجميع الوتر، قاله ، واختاره القاضي أبو الطيب الطبري الروياني .
ويشهد له قول الشيخ وغيره: أقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة. أبي إسحاق
وفي بعض كلام إيماء إليه. الشافعي
قال: وهو المختار; لأن فيه جمعا بين الأحاديث كلها; إذ الواحدة الأصل في الإيتار، وبها يصير ما قبلها وترا.
واستدل برواية من روى: " توتر له ما قد صلى"، كما خرجه ، وبأن البخاري ذكر عن نافعا ، أنه كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر; فإنه يدل على أن الجميع من الوتر. ابن عمر
ورواية من روى: " فأوتر بواحدة" فيها محذوف، تقديره: فأوتر ما مضى من صلاتك بواحدة، كما صرح به في الرواية الأخرى.
قال: ويلي هذا الوجه في القوة الوجهان الأولان، وأبعدها الثالث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي " شرح المهذب": الصحيح المنصوص - يعني: عن في " الأم " و" المختصر" -: أن الوتر يسمى تهجدا. الشافعي
وفيه وجه: أنه لا يسمى تهجدا بل الوتر غير التهجد.
وهذا هو الذي ذكره بعض أصحابنا.
وينبغي أن يكون مبنيا على القول بأن الوتر هو الركعة المنفردة وحدها، فأما إن قلنا: الوتر الركعة بما قبلها، فالوتر هو التهجد، وإن لم ينو به الوتر.
[ ص: 210 ] وقد كان يفصل بين الركعة التي يوتر بها وما قبلها بكلام، كما في رواية ابن عمر . البخاري
واستحب أن يكون عقيبها، ولا يؤخرها عما قبلها، وقال: كان أحمد يستحب أن يتكلم بينهما بالشيء، ثم يقوم فيوتر بركعة ، وقال: هذا عندنا ثبت، ونحن نأخذ به. ابن عمر
وينبغي أن يكون الاختلاف في تسمية ما قبل الركعة الأخيرة وترا مختصا بما إذا كانت الركعات مفصولة بالتسليم بينها، فأما إن أوتر بتسع، أو بسبع، أو بخمس، أو ثلاث بسلام واحد، فلا ينبغي التردد في أن الجميع وتر.
ويدل عليه ما خرجه ، عن مسلم ، عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر في ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرهن.
فجعلت الوتر الخمس الموصولة بسلام واحد، دون ما قبلها.
وقوله صلى الله عليه وسلم - في حديث -: " ابن عمر وفي رواية تأتي فيما بعد: فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما صلى" " فاركع ركعة واحدة"، يدل على أن الأفضل تأخير الوتر إلى آخر الليل، ويأتي الكلام فيه فيما بعد، إن شاء الله سبحانه وتعالى.
ويدل على أن . الوتر مأمور به
وهل الأمر به للوجوب، أم لتأكد الاستحباب؟ فيه قولان مشهوران.
وأكثر العلماء على أنه للاستحباب، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وإسحاق
وروي عن علي بن أبي طالب . وعبادة بن الصامت
[ ص: 211 ] وروي عن أنه واجب. أبي أيوب الأنصاري
وعن ، من وجه منقطع. معاذ
وهو قول وأصحابه، أبي حنيفة وأبي بكر بن جعفر من أصحابنا، ذكره في " كتاب التنبيه".
وكذا قال في صلاة التراويح، مع أنه صرح في " كتاب الشافي" بأن الوتر ليس بواجب، وليس هو بفرض كالصلوات الخمس بغير خلاف.
وقد سبق الكلام في ذلك في " كتاب الإيمان" عند ذكر حديث طلحة ، أن أعرابيا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام، فذكر له الصلوات الخمس فقال: هل علي غيرها ؟ قال: " لا، إلا أن تتطوع".
وذكرنا قول من قال: إن الوتر واجب على أهل القرآن دون غيرهم، وأنه يرجع إلى القول بوجوب قيام شيء من الليل على أهل القرآن خاصة.
وعن الحسن : لا بد من قيام الليل، ولو قدر حلب شاة. وابن سيرين
وعن . عبيدة السلماني
وفيه حديث مرفوع، ولا يصح.
[ ص: 212 ] ومن المتأخرين من قال: من صلى بالليل تهجدا وجب عليه أن يوتره، ويجعل آخره وترا; لحديث ، ومن لم يتهجد فلا وتر عليه. ابن عمر
وقال : أحمد فهو رجل سوء; هو سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم. من ترك الوتر
وقال في رواية جعفر بن محمد : هو رجل سوء، لا شهادة له.
فاختلف أصحابنا في وجه ذلك:
فمنهم من حمله على أنه أراد أنه واجب، كما قاله أبو بكر بن جعفر ، وهو بعيد; فإن صرح بأنه سنة. أحمد
ومنهم من قال: أراد إن داوم على تركه أو أكثر منه; فإنه ترد شهادته بذلك; لما فيه من التهاون بالسنن المؤكدة، وكذا حكم سائر السنن الرواتب، وهذا قول المحققين من أصحابنا.
ومنهم من قال: هو يدل على أن ترك المستحبات المؤكدة يلحق بها إثم دون إثم ترك الفرائض.
وقال القاضي : من داوم على ترك السنن الرواتب أثم. أبو يعلى
وهو قول ، قال في " كتاب الجامع": لا يعذب أحد على ترك شيء من ترك النوافل، وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سننا غير الفرائض التي فرضها الله، فلا يجوز لمسلم أن يتهاون بالسنن التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مثل الفطر، والأضحى، والوتر، والأضحية، وما أشبه ذلك; فإن تركها تهاونا بها فهو معذب، إلا أن يرحمه الله، وإني لأخشى في ركعتي الفجر والمغرب; لما وصفها الله في كتابه وحرض عليها، قال: إسحاق بن راهويه فسبحه وأدبار السجود وقال: فسبحه وإدبار النجوم وقال : لو تركت الركعتين بعد المغرب لخشيت أن لا يغفر لي. انتهى. سعيد بن جبير
والمراد: أنه يسلم في كل ركعتين، وبذلك فسره . ابن عمر
أخرجه في " صحيحه". مسلم
ويدل بمفهومه على أن صلاة النهار ليست كذلك، وأنه يجوز أن تصلى أربعا.
[ ص: 192 ] وقد كان - وهو راوي الحديث - يصلي بالنهار أربعا، فدل على أنه عمل بمفهوم ما روى. ابن عمر
فروى يحيى الأنصاري ، عن وعبيد الله بن عمر ، أن نافع كان يتطوع بالنهار " بأربع"، لا يفصل بينهن . ابن عمر
وبهذا رد وغيره الحديث المروي، عن يحيى بن معين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " ابن عمر ". صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، من رواية وابن ماجه ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء علي الأزدي ، عن . ابن عمر
وقد أعله ، بأن الترمذي اختلف عليه في رفعه ووقفه. شعبة
وذكر الإمام : أن أحمد كان يتهيبه. شعبة
وأعله وغيره، بأن أصحاب ابن معين الحفاظ رووا كلهم، عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: " ابن عمر من غير ذكر النهار، أكثر من خمسة عشر نفسا، فلا يقبل تفرد صلاة الليل مثنى مثنى"، علي الأزدي بما يخالفهم.
وأعله الإمام وغيره بأنه روي عن أحمد ، أنه كان يصلي بالنهار أربعا، فلو كان عنده نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يخالفه. ابن عمر
وتوقف - في رواية، عنه - في حديث أحمد الأزدي .
وقال - مرة-: إسناده جيد، ونحن لا نتقيه.
وقد روي، عن موقوفا عليه - أيضا- " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". ابن عمر
[ ص: 193 ] وروي عنه - مرفوعا - من وجه آخر.
وقيل: إنه ليس بمحفوظ.
قاله وغيره. الدارقطني
وذكر أنه بلغه، أن مالك، كان يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين. ابن عمر
قلت: من يقول: لا مفهوم لقوله - صلى الله عليه وسلم-: " يقول: إن ذكر الليل إنما كان جوابا لسؤال سائل، سأل عن صلاة الليل، ومثل هذا يدفع أن يكون له مفهوم معتبر. والله سبحانه وتعالى أعلم. صلاة الليل مثنى مثنى"
وقد بوب في " أبواب صلاة التطوع" على أن " صلاة النهار مثنى مثنى"، ويأتي الكلام فيه في موضعه - إن شاء الله تعالى. البخاري
والكلام هنا في صلاة الليل.
وهذا الحديث: يدل على أن سوى ركعة الوتر، فإنها واحدة. التطوع بالليل كله مثنى مثنى،
وقد عارض هذا حديث الذي خرجه عائشة ، خرجه من طريق مسلم ، عن أبيه، عن هشام بن عروة ، عائشة . أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل ثلاث [ ص: 194 ] عشرة ركعة، يوتر في ذلك بخمس، لا يجلس في شيء منهن، إلا في آخرهن
وقد تكلم في حديث هشام هذا غير واحد.
قال : قد أنكره ابن عبد البر . وقال: مذ صار مالك هشام إلى العراق أتانا عنه ما لم يعرف منه.
وقد أعله ، بأن يقال في حديثه: " كان يوتر بواحدة"، كذا رواه الأثرم وغيره عن مالك . الزهري
ورواه عمرو بن الحارث ويونس ، عن ، وفي حديثهما: " يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة". الزهري
وقد خرجه من طريقهما - أيضا. مسلم
وكذا رواه ابن أبي ذئب ، عن والأوزاعي . الزهري
خرج حديثهما . أبو داود
قال : وقد روى هذا الحديث عن الأثرم غير واحد، لم يذكروا في حديثهم ما ذكره عائشة هشام عن أبيه، من سرد الخمس.
ورواه ، عن القاسم ، في حديثه: " يوتر بواحدة". عائشة
ولم يوافق هشاما على قوله إلا ، فرواه عن ابن إسحاق محمد بن جعفر بن الزبير ، عن ، عن عروة بن الزبير - بنحو رواية عائشة هشام .
وخرجه من طريقه كذلك. أبو داود
[ ص: 195 ] ورواه - أيضا- سعد بن هشام ، عن ، واختلف عليه فيه: عائشة
فخرجه من رواية مسلم ، عن قتادة ، زرارة بن أوفى سعد بن هشام ، أنه سأل عن وتر النبي - صلى الله عليه وسلم- فقالت: كان يصلي تسع ركعات، لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة، فلما أسن نبي الله - صلى الله عليه وسلم- وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني. عائشة عن
وفي رواية له: أن أخبره قتادة سعد بن هشام بهذا، وكان جارا له.
وقد خرجه بلفظ آخر، وهو: أبو داود أنه - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ثمان ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله، ثم يدعو، ثم يسلم تسليما، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة.
وفي هذه الرواية: أنه كان يصلي الركعتين جالسا قبل الوتر، ثم يوتر بعدها بواحدة.
وهذا يخالف ما في رواية مسلم.
ورواه سعد بن هشام ، عن ، واختلف عليه في لفظه: عائشة
فروي عنه: الوتر بتسع، وروي عنه: بواحدة.
[ ص: 196 ] ورواه عن أبان بهذا الإسناد، ولفظه: قتادة
قال الإمام كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث، ولا يقعد إلا في آخرهن. : فهذه الرواية خطأ. أحمد
يشير إلى أنها مختصرة من رواية المبسوطة. قتادة
وقد روي في هذا المعنى من حديث ابن عباس . وأم سلمة
وقد تكلم في إسنادهما. الأثرم
وطعن في حديث البخاري بانقطاعه، وذكر أن حديث أم سلمة في الوتر بركعة أصح من ذلك. ابن عمر
وكذلك الروايات الصحيحة عن في وصفه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ليلة بات عند خالته ابن عباس ، يدل عليه: أنه - صلى الله عليه وسلم- من كل ركعتين وأوتر بواحدة. ميمونة
فلهذا رجحت طائفة حديث ابن عمر ، وقالوا: لا يصلي بالليل إلا مثنى مثنى، ويوتر بواحدة. وابن عباس
وهذه طريقة البخاري . والأثرم
وقال : هو قول ابن عبد البر أهل الحجاز ، وبعض أهل العراق .
ثم حكى عن مالك والشافعي وابن أبي ليلى وأبي يوسف ، أن صلاة [ ص: 197 ] الليل مثنى مثنى. ومحمد
قال: وقال في صلاة الليل: إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعا، وإن شئت ستا وثمانيا، لا تسلم إلا في آخرهن. أبو حنيفة
وقال الثوري والحسن بن حي : صلاة الليل ما شئت، بعد أن تقعد في كل ركعتين وتسلم في آخرهن.
وحكى في " كتابه" أن العمل عند أهل العلم على أن صلاة الليل مثنى مثنى. الترمذي
قال: وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد . وإسحاق
وحكاه وغيره عن ابن المنذر ابن عمر ، وعن وعمار الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير وحماد ومالك . والأوزاعي
وحكي عن ، أنه قال: في صلاة الليل والنهار: يجزئك التشهد. عطاء
وهذا يشبه ما حكاه ، عن ابن عبد البر الثوري والحسن بن حي .
وهو مبني على أن السلام ليس من الصلاة، وأنه يخرج منها بدونه، كما سبق ذكره.
وقد روي عن نحوه. النخعي
ومذهب الذي حكاه أصحابه أنه لا بأس أن يصلي بالليل والنهار أربعا أو ستا أو أكثر من ذلك، لا يفصل بينهن إلا في آخرهن. سفيان
قال: وإذا صلى بالليل مثنى، فهو أحب إلي.
وحمل هؤلاء كلهم قول : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي أربعا، ثم أربعا" على أنه كان لا يسلم بينها، وسيأتي حديثها بذلك - إن شاء الله سبحانه وتعالى. عائشة
[ ص: 198 ] وحمله الآخرون على أنه كان يفصل بينها بسلام.
وهذا كله في التطوع المطلق في الليل، فأما الوتر فاختلفوا فيه على أقوال:
أحدها: أنه ركعة واحدة، مفصولة مما قبلها، على مقتضى حديث ، وبعض ألفاظ حديث ابن عمر . عائشة
قال : روينا عن ابن المنذر ، أنه يقول: الوتر ركعة. ويقول: كان ذلك وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ابن عمر وأبي بكر . وعمر
قال: وممن روينا عنه: الوتر ركعة: عثمان وسعد وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية وأبو موسى وابن الزبير ، وفعله وعائشة معاذ القارئ ، ومعه رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا ينكر ذلك منهم أحد.
وبه قال ابن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، غير أن وأبو ثور مالكا والأوزاعي والشافعي وأحمد رأوا أن يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يوتر بركعة. انتهى. وإسحاق
وذكر وغيره: أن عمل الزهري المدينة كان على ذلك إلى زمن الخيرة.
وممن قال: الوتر ركعة - أيضا-: فقهاء أهل الحديث؛ سليمان بن داود [ ص: 199 ] الهاشمي وأبو خيثمة وغيرهم. وأبو بكر بن أبي شيبة
والأفضل عندهم: أن يصلي ركعة يوتر بها بعد ركعتين.
أما إن اقتصر على ركعة يوتر بها، ففي كراهته قولان:
أحدهما: أنه يكره. وهو قول - في أكثر الروايات، عنه. أحمد
ويستثنى من ذلك من يستيقظ قرب الفجر، ويخاف أن يطلع عليه الفجر، فيوتر بواحدة.
وهو قول ، قال: إلا من عذر؛ مرض أو سفر. إسحاق
وكذا قال أبو بكر من أصحابنا.
قال : إنما جاء الوتر بركعة بعد تطوع مثنى. أحمد
وقال : إن خشي الفجر فأوتر بواحدة أجزأه، والثلاث أحب إلينا. سفيان
ومذهب : لا بد أن يكون قبل ركعة الوتر شفع يسلم بينهما في الحضر والسفر. مالك
وقال : ما أحب أن يكون وتري إلا على صلاة. مجاهد
وروى ، بإسناد فيه نظر، عن ابن عبد البر عثمان بن محمد بن ربيعة ، عن ، عن الدراوردي عمرو بن يحيى ، عن أبيه، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أبي سعيد . أنه نهى عن البتيراء، أن يصلي الرجل ركعة واحدة، يوتر بها
هذا، قال وعثمان : الغالب على حديثه الوهم. العقيلي
وقبله في الإسناد من لا يعرف.
وقد روي هذا - مرسلا.
[ ص: 200 ] خرجه ، من حديث سعيد بن منصور ، مرسلا. محمد بن كعب القرظي
والقول الثاني: لا يكره.
وروي عن ، سعد بن أبي وقاص ، وأبي موسى أنهم فعلوه. ومعاوية
وعن ، أنه صوب فعل ابن عباس . معاوية
وقال - في رواية أحمد الشالنجي -: لا بأس به.
وهو قول . الشافعي
واختلف أصحابه: هل الركعة المفردة أفضل من ثلاث موصولة ؟ على وجهين لهم.
ومنهم من قال: المنفردة أفضل من إحدى عشرة موصولة.
وقال : حدثني الأوزاعي المطلب بن عبد الله المخزومي ، قال: أتى رجل، فقال: كيف أوتر؟ قال: أوتر بواحدة، قال: إني أخشى أن يقول الناس: إنها البتيراء، قال: سنة الله ورسوله، يريد: هذه سنة الله ورسوله . ابن عمر
المطلب ، لم يسمع من . ابن عمر
وروى ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب أبي منصور مولى سعد بن أبي وقاص ، قال: سألت عن الوتر، فقال: وتر الليل واحدة، بذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قلت: يا ابن عمر أبا عبد الرحمن ، إن الناس يقولون: البتيراء؟ قال: يا بني، ليس تلك البتيراء، إنما البتيراء أن يصلي الرجل الركعة [ ص: 201 ] التامة في ركوعها وسجودها وقيامها، ثم يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعا ولا سجودا ولا قياما، فتلك البتيراء.
خرجهما . البيهقي
وأجاز وأصحابه أحمد : أن يوتر بثلاث موصولة، وأن يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، وبتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يسلم; لما جاء في حديث وإسحاق المتقدم. عائشة
وجعلوا هذه النصوص خاصة، تخص عموم حديث صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا - في التسع والسبع والخمس-: الأفضل أن تكون بسلام واحد لذلك.
فأما الوتر بسبع، فنص على أنه لا يجلس إلا في آخرهن. أحمد
ومن أصحابنا من قال: يجلس عقيب السادسة بتشهد، ولا يسلم.
وقد اختلف ألفاظ حديث في ذلك. عائشة
فأما الوتر بإحدى عشرة، فيكون بست تسليمات، وإن صلاه بتسليمة واحدة، وتشهد عقب العاشرة، ولم يسلم جاز، قاله بعض [...]
ومنهم من حكى في الجميع وجهين:
أحدهما: أن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين، وصححه غير واحد من أصحابنا.
والثاني: الأفضل سرد الجميع بسلام واحد، ولا يجلس إلا في آخر الإشفاع، فيتشهد، ثم يصلي ركعة ويسلم.
[ ص: 202 ] ومذهب : إن أوتر بإحدى عشرة ركعة سلم في كل ركعتين. إسحاق
ويجوز عند أصحابنا أن يتطوع بأربع، وبأكثر من أربع، بسلام واحد، وحكوه عن أكثر العلماء، إلا عن محمد بن الحسن ، فإنهما قالا: لا بد أن يتشهد عقيب كل ركعتين. وزفر
وفي صحة التنفل بالإشفاع، كثلاث ركعات، وخمس ركعات، وسبع في غير صلاة الوتر عن روايتان. أحمد
ومذهب وأصحابه أنه يجوز أن يصلي بسلام واحد، ما شاء من الركعات، من واحدة إلى ما لا نهاية له بالليل والنهار، وإن كان الأفضل أن يسلم فيهما في كل ركعتين، والوتر وغيره. الشافعي
ونص في " الإملاء" على أنه يجوز له أن يصلي عددا لا يعلمه، ثم يسلم، كما روى عن الشافعي أنه فعله. أبي ذر
ولأصحابه وجه: أنه لا يجوز الزيادة على ثلاثة عشر ركعة بتسليمة واحدة; لأنه أكثر المنقول في الوتر، وهو ضعيف عندهم.
فإن صلى ركعة واحدة تشهد عقيبها وسلم، وإن صلى أكثر من ذلك فله أن يقتصر على تشهد في آخر الركعات - وإن كثرت- ويسلم عقيبه بغير خلاف عندهم، إلا في وجه ضعيف لا يعبأ به.
وإن أراد الزيادة على تشهد واحد، ففيه أوجه لهم:
أحدها: أن له أن يتشهد في كل ركعتين، وإن كثرت التشهدات، ويتشهد في الأخيرة، وله أن يتشهد في كل أربع، أو ثلاث أو ست، أو غير ذلك.
ولا يجوز أن يتشهد في كل ركعة; لأنه اختراع صورة في الصلاة لا عهد بها.
[ ص: 203 ] والثاني: له أن يتشهد في كل ركعتين، وفي كل ركعة، وضعفه المحققون منهم.
والثالث: لا يجلس إلا في الأخيرة، وغلطوه - أيضا.
والرابع: لا يجوز الزيادة على تشهدين بحال في الصلاة الواحدة، ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين، إن كان العدد شفعا، وإن كان وترا لم يجز بينهما أكثر من ركعة.
قال صاحب " شرح المهذب": وهو قوي، وظواهر السنة تقتضيه.
وهذا كله في النوافل المطلقة، فأما في الوتر بخصوصه، فهل يجوز أن يزاد فيه على تشهدين؟ فيه وجهان:
أصحهما - عندهم-: لا يجوز; لأنه خلاف المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولأن النوافل المطلقة لا حصر لركعاتها وتشهداتها، بخلاف الوتر.
وذهبت طائفة إلى أنها لا تجوز الزيادة على ركعتين بتسليمة واحدة، ولا زيادة الوتر على ركعة.
وهو الذي رجحه ، وقال: لم يصح في الوتر بثلاث، فما زاد من غير تسليم حديث واحد، ولا أكثر منه. الأثرم
وذهب وأصحابه إلى أن الوتر بثلاث ركعات بتشهدين من غير تسليم كالمغرب لا يجوز زيادته ولا نقصه. أبو حنيفة
وروي الوتر بثلاث عن جماعة من الصحابة والتابعين.
وحكاه ، عن الحسن عمر . وأبي بن كعب
وهو منقطع عنهما.
[ ص: 204 ] وروى ، عن الأعمش مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال: قال : الوتر بثلاث كوتر النهار المغرب عبد الله بن مسعود
قال : هو صحيح عن البيهقي ، ورفعه رجل ضعيف عن ابن مسعود ، وكذا قال الأعمش : إن رفعه لا يصح. الدارقطني
وروي - أيضا- عن . أنس بن مالك
وهو قول ، ابن المسيب وأبي العالية ومكحول والنخعي . وعمر بن عبد العزيز
وقال : إن فصل فحسن، وإن لم يفصل فحسن. الأوزاعي
وأجاز الفصل وتركه، والفصل عنده أحمد أحسن ، وقال: الأحاديث فيه أقوى وأكثر وأثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
وكذلك مذهب ، كما سبق. الشافعي
ولأصحابنا وجه: أن الوتر بثلاث موصولة يكون بتشهد واحد.
وروي عن ، أنه كان يوتر بثلاث لا يجلس فيهن، ولا يتشهد إلا في آخرهن. عطاء
وروى في " تاريخه" بإسناده، عن البخاري إسماعيل بن زيد بن ثابت ، أن زيدا كان يوتر بخمس، لا يسلم إلا في الخامسة، وكان أبي يفعله.
قال : كذا وجدته " البيهقي أبي " مقيدا.
يعني: بالتشديد، يريد: ابن أبي بن كعب .
[ ص: 205 ] وروى ، عن وكيع ، عن بعض أصحابه، قال: قال الأعمش عبد الله : الوتر سبع أو خمس، ولا أقل من ثلاث.
وروي عن ، عن عراك ، قال: لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة أو أكثر من ذلك. أبي هريرة
وروي عنه، مرفوعا.
خرجه ، وصححه. الحاكم
وفي رفعه نكارة.
وقال : أوتر بخمس، أو بثلاث، أو بواحدة . أبو أيوب الأنصاري
خرجه وغيره - موقوفا. النسائي
وخرجه أبو داود - أيضا- والنسائي مرفوعا. وابن ماجه
والموقوف أصح عند أبي حاتم والنسائي وغيرهم. والأثرم
وقال : كانوا يوترون بخمس، وبثلاث، وبركعة، ويرون كل ذلك حسنا. ابن سيرين
خرجه . الترمذي
قال: وقال : إن شئت أوترت بخمس، وإن شئت أوترت بثلاث، وإن شئت أوترت بواحدة، قال: والذي أستحب: أن يوتر بثلاث. سفيان
[ ص: 206 ] وحكى أصحاب ، عنه، أنه إن شاء أوتر بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة، لا يسلم إلا في آخرهن، إذا فرغ. سفيان
ومن العلماء من قال: الوتر ثلاث عشرة، وهو قول بعض الشافعية، ووجه لأصحابنا.
ولو زاد على ذلك لم يجز ولم يصح وتره عند جمهور الشافعية.
ولهم وجه آخر: بصحته وجوازه.
وهذا إذا كان الجميع بسلام واحد، أو نوى بالجميع الوتر.
وروى بإسناده، عن الشافعي ، عن كريب ، قال: هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك، الوتر ما شاء. ابن عباس
وقد كره قوم الوتر بثلاث، وقالوا: لا يكون إلا سبع أو خمس.
فروى ، شعبة عن الحكم ، قال: قلت لمقسم : إني أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثم أخرج إلى الصلاة; خشية أن تفوتني؟ قال: إن ذلك لا يصلح إلا بخمس، أو سبع، فسألته عمن؟ فقال: عن الثقة، عن الثقة، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم. وميمونة
خرجه الإمام . أحمد
وروى بإسناده، عن الشافعي ، أنه كان يوتر بخمس أو سبع ابن مسعود
وبإسناد منقطع عنه، أنه كان يكره أن يكون ثلاثا تترى، ولكن خمسا أو سبعا
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث : " ابن عمر يدل على أن هذه الركعة [ ص: 207 ] الواحدة جعلت مجموع ما صلى قبلها وترا، فيكون الوتر هو مجموع صلاة الليل الذي يختم بوتر. صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى"
وهذا قول ، واستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " إسحاق بن راهويه وإنما أراد صلاة الليل. أوتروا يا أهل القرآن"،
وقالت طائفة: الوتر هو الركعة الأخيرة، وما قبله فليس منه.
وهو قول طائفة من أصحابنا، منهم: الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى .
وفي كلام ما يدل عليه. أحمد
ومن أصحابنا من قال: الجميع وتر.
وقد اختلفت الرواية عن أحمد وقلنا: يقضيه، هل يقضي ركعة واحدة؟ أو ثلاث ركعات؟ على روايتين، عنه. فيمن فاته الوتر،
ويحسن أن يكون مأخذهما أن الوتر: هل هو الركعة الواحدة، وما قبله تنفل مطلق؟ أو الوتر مجموع الثلاث؟
وإلى هذا أشار أبو حفص البرمكي من أصحابنا.
وقد نقل وغيره عن الأثرم ، أنه إذا قضى الوتر بعد طلوع الفجر فإنه يقضي ثلاث ركعات. أحمد
[ ص: 208 ] وقال: لم يرد التطوع، وإنما أراد الوتر.
وهذا ظاهر في أن المجموع وتر، ويحتمل أن يكون مراده أن الركعتين قبل الوتر متأكدة تابعة للوتر، فتقضى معه في أوقات النهي أيضا.
وقد تقدم عن المالكية أن ما قبل الوتر هو شفع له.
وقاله بعض أصحابنا أيضا.
وقد ذكر : أن أصحاب أبو عمرو ابن الصلاح اختلفوا في ذلك على أوجه: الشافعي
أحدها: أن من أوتر بثلاث ينوي بالركعتين مقدمة الوتر، وبالأخيرة الوتر، قاله . أبو محمد الجويني
والثاني: أنه ينوي بالركعتين سنة الوتر وبالثالثة الوتر، حكاه الروياني .
قال: وفي هذين الوجهين تخصيص للوتر بالركعة الأخيرة، والثاني يشعر بأن للوتر سنة، ولا عهد لنا بسنة لها سنة هي صلاة.
وفي الوجهين أن الركعتين قبل الوتر لهما تعلق بالوتر.
والثالث: أن ينوي بما قبل الركعة الأخيرة التهجد أو قيام الليل، وفي هذا قطع لذلك عن الوتر.
قال: وما اتفقت عليه هذه الوجوه من تخصيص الوتر بالركعة المفردة على وفق قول في رواية الشافعي : الوتر ركعة واحدة. البويطي
وقال : لا يختلف قول الماوردي : أن الوتر ركعة واحدة. الشافعي
ويشهد للوجه الثالث حديث : " ابن عمر صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة".
[ ص: 209 ] والرابع: أنه ينوي بالجميع الوتر، قاله ، واختاره القاضي أبو الطيب الطبري الروياني .
ويشهد له قول الشيخ وغيره: أقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة. أبي إسحاق
وفي بعض كلام إيماء إليه. الشافعي
قال: وهو المختار; لأن فيه جمعا بين الأحاديث كلها; إذ الواحدة الأصل في الإيتار، وبها يصير ما قبلها وترا.
واستدل برواية من روى: " توتر له ما قد صلى"، كما خرجه ، وبأن البخاري ذكر عن نافعا ، أنه كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر; فإنه يدل على أن الجميع من الوتر. ابن عمر
ورواية من روى: " فأوتر بواحدة" فيها محذوف، تقديره: فأوتر ما مضى من صلاتك بواحدة، كما صرح به في الرواية الأخرى.
قال: ويلي هذا الوجه في القوة الوجهان الأولان، وأبعدها الثالث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي " شرح المهذب": الصحيح المنصوص - يعني: عن في " الأم " و" المختصر" -: أن الوتر يسمى تهجدا. الشافعي
وفيه وجه: أنه لا يسمى تهجدا بل الوتر غير التهجد.
وهذا هو الذي ذكره بعض أصحابنا.
وينبغي أن يكون مبنيا على القول بأن الوتر هو الركعة المنفردة وحدها، فأما إن قلنا: الوتر الركعة بما قبلها، فالوتر هو التهجد، وإن لم ينو به الوتر.
[ ص: 210 ] وقد كان يفصل بين الركعة التي يوتر بها وما قبلها بكلام، كما في رواية ابن عمر . البخاري
واستحب أن يكون عقيبها، ولا يؤخرها عما قبلها، وقال: كان أحمد يستحب أن يتكلم بينهما بالشيء، ثم يقوم فيوتر بركعة ، وقال: هذا عندنا ثبت، ونحن نأخذ به. ابن عمر
وينبغي أن يكون الاختلاف في تسمية ما قبل الركعة الأخيرة وترا مختصا بما إذا كانت الركعات مفصولة بالتسليم بينها، فأما إن أوتر بتسع، أو بسبع، أو بخمس، أو ثلاث بسلام واحد، فلا ينبغي التردد في أن الجميع وتر.
ويدل عليه ما خرجه ، عن مسلم ، عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر في ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرهن.
فجعلت الوتر الخمس الموصولة بسلام واحد، دون ما قبلها.
وقوله صلى الله عليه وسلم - في حديث -: " ابن عمر وفي رواية تأتي فيما بعد: فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما صلى" " فاركع ركعة واحدة"، يدل على أن الأفضل تأخير الوتر إلى آخر الليل، ويأتي الكلام فيه فيما بعد، إن شاء الله سبحانه وتعالى.
ويدل على أن . الوتر مأمور به
وهل الأمر به للوجوب، أم لتأكد الاستحباب؟ فيه قولان مشهوران.
وأكثر العلماء على أنه للاستحباب، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وإسحاق
وروي عن علي بن أبي طالب . وعبادة بن الصامت
[ ص: 211 ] وروي عن أنه واجب. أبي أيوب الأنصاري
وعن ، من وجه منقطع. معاذ
وهو قول وأصحابه، أبي حنيفة وأبي بكر بن جعفر من أصحابنا، ذكره في " كتاب التنبيه".
وكذا قال في صلاة التراويح، مع أنه صرح في " كتاب الشافي" بأن الوتر ليس بواجب، وليس هو بفرض كالصلوات الخمس بغير خلاف.
وقد سبق الكلام في ذلك في " كتاب الإيمان" عند ذكر حديث طلحة ، أن أعرابيا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام، فذكر له الصلوات الخمس فقال: هل علي غيرها ؟ قال: " لا، إلا أن تتطوع".
وذكرنا قول من قال: إن الوتر واجب على أهل القرآن دون غيرهم، وأنه يرجع إلى القول بوجوب قيام شيء من الليل على أهل القرآن خاصة.
وعن الحسن : لا بد من قيام الليل، ولو قدر حلب شاة. وابن سيرين
وعن . عبيدة السلماني
وفيه حديث مرفوع، ولا يصح.
[ ص: 212 ] ومن المتأخرين من قال: من صلى بالليل تهجدا وجب عليه أن يوتره، ويجعل آخره وترا; لحديث ، ومن لم يتهجد فلا وتر عليه. ابن عمر
وقال : أحمد فهو رجل سوء; هو سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم. من ترك الوتر
وقال في رواية جعفر بن محمد : هو رجل سوء، لا شهادة له.
فاختلف أصحابنا في وجه ذلك:
فمنهم من حمله على أنه أراد أنه واجب، كما قاله أبو بكر بن جعفر ، وهو بعيد; فإن صرح بأنه سنة. أحمد
ومنهم من قال: أراد إن داوم على تركه أو أكثر منه; فإنه ترد شهادته بذلك; لما فيه من التهاون بالسنن المؤكدة، وكذا حكم سائر السنن الرواتب، وهذا قول المحققين من أصحابنا.
ومنهم من قال: هو يدل على أن ترك المستحبات المؤكدة يلحق بها إثم دون إثم ترك الفرائض.
وقال القاضي : من داوم على ترك السنن الرواتب أثم. أبو يعلى
وهو قول ، قال في " كتاب الجامع": لا يعذب أحد على ترك شيء من ترك النوافل، وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سننا غير الفرائض التي فرضها الله، فلا يجوز لمسلم أن يتهاون بالسنن التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مثل الفطر، والأضحى، والوتر، والأضحية، وما أشبه ذلك; فإن تركها تهاونا بها فهو معذب، إلا أن يرحمه الله، وإني لأخشى في ركعتي الفجر والمغرب; لما وصفها الله في كتابه وحرض عليها، قال: إسحاق بن راهويه فسبحه وأدبار السجود وقال: فسبحه وإدبار النجوم وقال : لو تركت الركعتين بعد المغرب لخشيت أن لا يغفر لي. انتهى. سعيد بن جبير