الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 305 ] ثم دخلت سنة ست وخمسين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت هذه السنة والخليفة المطيع لله والسلطان معز الدولة بن بويه الديلمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعملت الروافض في يوم عاشوراء عزاء الحسين ، على ما ابتدعوه من النوح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ثالث عشر ربيع الأول من هذه السنة توفي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      معز الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه الديلمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الذي أظهر الرفض ، ويقال له : معز الدولة ، بعلة الذرب ، فصار لا يثبت في معدته شيء بالكلية ، ولما أحس بالموت أظهر التوبة ، وأناب إلى الله عز وجل ، ورد كثيرا من المظالم ، وتصدق بكثير من أمواله ، وأعتق خلقا كثيرا من مماليكه ، وعهد إلى ابنه بختيار عز الدولة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد اجتمع ببعض العلماء ، فكلمه في السنة ، وأخبره أن عليا زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب فقال : والله ما سمعت بهذا قط . ورجع إلى السنة ومتابعتها ، ولما حضر وقت الصلاة ، خرج ذلك الرجل إلى الصلاة ، فقال له : أما [ ص: 306 ] تصلي هاهنا ؟ قال : لا . قال : ولم ؟ قال : لأن دارك مغصوبة . فاستحسن منه ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان معز الدولة حليما كريما عاقلا ، وكانت إحدى يديه مقطوعة ، وهو أول من أحدث السعاة بين يدي الملوك ; ليبعث بأخباره إلى أخيه ركن الدولة إلى شيراز سريعا ، وحظي عنده أهل هذه الصناعة ، وتعلم أهل بغداد ذلك ، حتى كان بعضهم يجري في اليوم الواحد نيفا وأربعين فرسخا ، وكان في البلد ساعيان ماهران ، وهما فضل ومرعوش ، يتعصب لهذا عوام أهل السنة ، ولهذا عوام أهل الشيعة ، وجرت لهما مناصف ومواقف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما مات معز الدولة دفن بباب التبن في مقابر قريش ، وجلس ابنه للعزاء ، وأصاب الناس مطر ثلاثة أيام تباعا ، فبعث عز الدولة إلى رءوس الدولة في هذه الأيام بمال جزيل ; لئلا تجتمع الدولة على مخالفته قبل استحكام مبايعته ، وهذا من عقله ودهائه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان عمر معز الدولة ثلاثا وخمسين سنة ، ومدة ولايته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا ويومين ، وكان قد نادى في أيامه برد المواريث إلى ذوي الأرحام قبل بيت المال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد سمع بعض الناس ليلة توفي معز الدولة هاتفا يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما بلغت أبا الحسي ن مراد نفسك في الطلب [ ص: 307 ]     وأمنت من حدث الليا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لي واحتجبت عن النوب     مدت إليك يد الردى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأخذت من بيت الذهب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما مات معز الدولة قام بالأمر بعده ولده عز الدولة ، فأقبل على اللهو واللعب والاشتغال بأمر النساء ، فتفرق شمله ، واختلفت الكلمة عليه ، وطمع الأمير منصور بن نوح الساماني صاحب بلاد خراسان في ملك بني بويه ، وأرسل الجيوش الكثيفة صحبة الملك وشمكير ، فلما علم بذلك ركن الدولة بن بويه أرسل إلى ابنه عضد الدولة وابن أخيه عز الدولة يستنجدهما ، فأرسلا إليه بجنود كثيرة ، فركب فيها ركن الدولة ، وبعث إليه وشمكير يتهدده ويتوعده ، ويقول : لئن قدرت عليك لأفعلن بك ولأفعلن . فكتب إليه ركن الدولة : لكني إن قدرت عليك لأحسنن إليك ولأصفحن عنك . فكانت العاقبة لهذا ، فدفع الله عنه شره ; وذلك أنوشمكير ركب فرسا صعبة فتصيد عليها ، فحمل عليه خنزير ، فنفرت الفرس ، فألقته على الأرض ، فخرج الدم من أذنيه ، فمات من ساعته ، وتفرقت العساكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبعث ابن وشمكير يطلب الأمان من ركن الدولة ، فأمنه وأرسل إليه بالمال والرجال ، ووفى بما قال ، وصرف الله عنه كيد السامانية ، وذلك بصدق النية وحسن الطوية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية