الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما شرائط الركن فأنواع : بعضها يرجع إلى المعتق خاصة ، وبعضها يرجع إلى المعتق خاصة وبعضها يرجع إليهما جميعا ، وبعضها يرجع إلى نفس الركن أما الذي يرجع إلى المعتق خاصة .

                                                                                                                                فمنها : أن يكون عاقلا حقيقة أو تقديرا حتى لا يصح الإعتاق من الصبي الذي لا يعقل والمجنون كما لا يصح الطلاق منهما .

                                                                                                                                وأما المجنون الذي يجن في حال ويفيق في حال فما يوجد منه حال إفاقته فهو فيه بمنزلة سائر العقلاء وما يوجد منه في حال جنونه فهو بمنزلة المجنون المطبق اعتبارا للحقيقة وأما السكران فإعتاقه كطلاقه وقد مر ذلك في كتاب الطلاق ومنها : أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما حتى لا يصح الإعتاق من هؤلاء كما لا يصح الطلاق منهم لما ذكرنا في الطلاق

                                                                                                                                ومنها : أن يكون بالغا فلا يصح الإعتاق من الصبي وإن كان عاقلا كما لا يصح الطلاق منه ، ولو قال رجل : أعتقت عبدي وأنا صبي أو قال : وأنا نائم ; كان القول قوله ، والأصل فيه أنه إذا أضاف الإعتاق إلى حال معلوم الكون وهو ليس من أهل الإعتاق فيها يصدق بأن قال : أعتقته وأنا صبي أو وأنا نائم أو مجنون وقد علم جنونه أو وأنا حربي في دار الحرب على أصل أبي حنيفة ومحمد ، وقد علم ذلك منه ; لأنه إذا أضاف الإعتاق إلى زمان لا يتصور منه الإعتاق علم إن أراد به صيغة الإعتاق لا حقيقة الإعتاق فلم يصر معترفا بالإعتاق ، ولو قال : أعتقته وأنا مجنون ولم يعلم له جنون لا يصدق ; لأنه إذا أضافه إلى حالة لا يتيقن وجودها فالظاهر أنه أراد الرجوع عما أقر به فلا يقبل منه ، ولو قال : أعتقته قبل أن أخلق أو قبل أن يخلق ; لا يعتق ; لأن زمان ما قبل انخلاقه وانخلاق العبد معلوم فقد أضاف الإعتاق إلى زمان معلوم الكون ولا يتصور منه فيه الإعتاق فلا يعتق .

                                                                                                                                وأما كونه طائعا فليس بشرط عندنا خلافا للشافعي والمسألة مرت في كتاب الطلاق وكونه جادا ليس بشرط بالإجماع حتى يصح إعتاق الهازل وكذا كونه عامدا حتى يصح إعتاق الخاطئ لما ذكرنا في الطلاق وكذا التكلم باللسان ليس بشرط فيصح الإعتاق بالكتابة المستبينة والإشارة المفهومة وكذا الخلو عن شرط الخيار ليس بشرط في الإعتاق بعوض وبغير عوض إذا كان الخيار للمولى حتى يقع العتق ويبطل الشرط أما إذا كان بغير عوض فظاهر ; لأن ثبوت الخيار لفائدة الفسخ ، والإعتاق بغير العوض لا يحتمل الفسخ وكذا إن كان بعوض ; لأن العوض من جانب المولى هو العتق وإنه لا يقبل الفسخ فلا معنى للخيار فيه وإن كان الخيار للعبد فخلوه عن خياره شرط صحته حتى لو رد العبد العقد في مدة الخيار فينفسخ العقد ولا يعتق ; لأن العوض في جانبه هو المال فكان محتملا للفسخ فيصح شرط الخيار فيه كما في الطلاق على مال وقد ذكرناه في كتاب الطلاق وعلى هذا الصلح من دم العمد بشرط الخيار وأن الخيار إن كان مشروطا للمولى ; يبطل الخيار ويصح الصلح ; لأن الخيار لثبوت الفسخ والذي من جانب المولى وهو العفو لا يحتمل الفسخ وإن كان الخيار للقاتل جاز ; لأن ما هو العوض من جانبه وهو المال قابل للفسخ ثم إذا جاز الخيار وفسخ القاتل العقد هل يبطل العفو فالقياس أن يبطل ; لأنه تعلق بشرط المال ولم يسلم المال وفي الاستحسان لا يبطل ويلزم القاتل الدية كذا روي عن محمد أما صحة العفو وسقوط القصاص فلأن عفو الولي يصير شبهة والقصاص يسقط بالشبهات .

                                                                                                                                وأما وجوب الدية فلأن الولي لم يرض بإسقاطه بغير عوض ولا عوض إلا الدية ; إذ هي قيمة النفس ثم فرق بين الإعتاق على مال وبين الكتابة فإنه يجوز فيها شرط الخيار للمولى ; لأنها عقد معاوضة يلحقها الفسخ فيجوز شرط الخيار في طرفيها كالبيع بخلاف الإعتاق على مال ، والله عز وجل [ ص: 56 ] الموفق ، وكذا إسلام المعتق ليس بشرط فيصح الإعتاق من الكافر إلا أن إعتاق المرتد لا ينفذ في الحال في قول أبي حنيفة بل هو موقوف وعندهما نافذ وإعتاق المرتد نافذ بلا خلاف والمسألة نذكرها في كتاب السير - إن شاء الله تعالى - وكذا صحة المعتق فيصح الإعتاق من المريض مرض الموت ; لأن دليل الجواز لا يوجب الفصل إلا أن الإعتاق من المريض يعتبر من الثلث ; لأنه يكون وصية ومنها : النية في أحد نوعي الإعتاق وهو الكناية دون الصريح ، ويستوي في صريح الإعتاق وكناياته أن يكون ذلك بمباشرة المولى بنفسه على طريق الأصالة أو بغيره على طريق النيابة عن المولى بإذنه وأمره وذلك أنواع ثلاثة : تفويض ، وتوكيل ، ورسالة .

                                                                                                                                فالتفويض : هو التخيير والأمر باليد صريحا وكناية على ما بينا ، والأمر بالإعتاق كقوله : أعتق نفسك وقوله : أنت حر إن شئت والتوكيل هو أن يأمر غيره بالإعتاق بأن يقول لغيره : أعتق عبدي فلانا من غير التقييد بالمشيئة ، والرسالة معروفة وقد فسرناها في كتاب الطلاق والحكم في هذه الفصول في العتاق كالحكم فيها في الطلاق ، وقد استوفينا الكلام فيها في كتاب الطلاق بتوفيق الله عز وجل ، ومنها : عدم الشك في الإعتاق وهو شرط الحكم بثبوت العتق فإن كان شاكا فيه لا يحكم بثبوته لما ذكرنا في الطلاق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية