الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 37 ] سورة الشورى وقال الشيخ رحمه الله قد كتبت بعض ما يتعلق بقوله تعالى : { وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } إلى قوله : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } فمدحهم على الانتصار تارة وعلى الصبر أخرى .

                و " المقصود هنا " أن الله لما حمدهم على هذه الصفات من الإيمان والتوكل ومجانبة الكبائر والاستجابة لربهم وإقام الصلاة والاشتوار في أمرهم وانتصارهم إذا أصابهم البغي والعفو والصبر ونحو ذلك كان هذا دليلا على أن ضد هذه الصفات ليس محمودا بل مذموما فإن هذه الصفات مستلزمة لعدم ضدها ; فلو كان ضدها محمودا لكان عدم المحمود محمودا وعدم المحمود لا يكون محمودا إلا أن يخلفه ما هو محمود ; ولأن حمدها والثناء عليها طلب لها وأمر بها ولو أنه أمر استحباب والأمر بالشيء نهي عن ضده قصدا أو لزوما وضد الانتصار العجز وضد الصبر الجزع ; فلا خير في العجز ولا في الجزع كما نجده في حال كثير من الناس حتى بعض المتدينين إذا ظلموا أو [ ص: 38 ] أرادوا منكرا فلا هم ينتصرون ولا يصبرون ; بل يعجزون ويجزعون .

                وفي سنن أبي داود من رواية عوف بن مالك { أن رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال المقضي عليه : حسبي الله ونعم الوكيل .

                فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل
                } .

                وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان } .

                لا تعجز عن مأمور ولا تجزع من مقدور ومن الناس من يجمع كلا الشرين ; فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على النافع والاستعانة بالله والأمر يقتضي الوجوب وإلا فالاستحباب . ونهى عن العجز وقال : { إن الله يلوم على العجز } والعاجز ضد الذين هم ينتصرون والأمر بالصبر والنهي عن الجزع معلوم في مواضع كثيرة .

                وذلك لأن الإنسان بين أمرين : أمر أمر بفعله فعليه أن يفعله [ ص: 39 ] ويحرص عليه ويستعين الله ولا يعجز وأمر أصيب به من غير فعله فعليه أن يصبر عليه ولا يجزع منه ; ولهذا قال بعض العقلاء ابن المقفع أو غيره الأمر أمران : أمر فيه حيلة فلا تعجز عنه وأمر لا حيلة فيه فلا تجزع منه . وهذا في جميع الأمور ; لكن عند المؤمن الذي فيه حيلة هو ما أمر الله به وأحبه له ; فإن الله لم يأمره إلا بما فيه حيلة له إذ لا يكلف نفسا إلا وسعها وقد أمره بكل خير فيه له حيلة وما لا حيلة فيه هو ما أصيب به من غير فعله .

                واسم الحسنات والسيئات يتناول القسمين فالأفعال مثل قوله تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } ومثل قوله تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } ومثل قوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ومثل قوله تعالى { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } والمصائب المقدرة خيرها وشرها مثل قوله : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } . إلى آيات كثيرة من هذا الجنس . والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية