الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 3926 ] المؤمنون الذين يستجيبون لله

                                                          قال الله – تعالى - :

                                                          للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد أفمن يعلم أنما أنـزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار



                                                          بعد أن ضرب الله - تعالى - الأمثال للحق، وبين الدلائل المبينة الدالة على عبادة الله وحده لا شريك له من أنداد وأوثان، أو أحد من خلقه، وضرب الأمثال للحق والباطل، بين - سبحانه وتعالى - من يستجيب للحق وجزاءه، ومن لا يستجيب، فقال تعالى: للذين استجابوا لربهم الحسنى الحسنى هو مؤنث أحسن، وليس أفعل التفضيل على بابه هنا، بل المراد الحال البالغة أقصى درجات الحسن ونهايته التي لا غاية في الحسن بعدها. و (استجاب) معناها أجاب، ولكنها في أصلها طلب الإجابة؛ لأن السين والتاء للطلب، والمعنى: للذين أجابوا دعوة ربهم الذي خلقهم، وقام على شئونهم الجزاء الأحسن الذي لا حسن بعده.

                                                          [ ص: 3927 ] هذا جزاء الذين استجابوا لدعوة الحق ولربهم ورسوله، أما الذين لم يستجيبوا لربهم ولم يلبوا دعوته إلى الحق وعدم الشرك فلهم السوأى، أي أسوأ الأحوال التي لا نهاية بعدها في السوء. ويلاحظ أن الذين استجابوا جعل استجابتهم لربهم، والذين لم يستجيبوا لم يذكر في النفي أنها لربهم، وذلك لسببين:

                                                          السبب الأول: أن عدم ذكر ذلك لعدم التكرار، والتكرار في الأمر مذموم في ذاته غير مقبول.

                                                          والسبب الثاني: بيان أنهم ليس من شأنهم أن يستجيبوا لحق، فقد طمس الله على قلوبهم، وعلى أعينهم غشاوة ولا يبصرون.

                                                          وقد ذكر الله الجزاء الذي يقابل الحسنى بقوله تعالى: لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به وهذا يدل على أنه عذاب عظيم يحاول من ينزل به الخلاص منه، وأنه لا يخلص منه إلا بفداء عظيم، يساوي الفداء منه كل ما في الأرض من أموال وأعراض ومتع ومناصب وجاه، فكان له كفاء، ومعنى لو أن لهم ما في الأرض إلى آخره لو ثبت أن لهم كل ما في الأرض من ملاذ وشهوات جميعا غير منفرط منه شيء، لافتدوا أي رضوا أن يقدموه فداء له، فما في الأرض - إن كانوا يملكونه - يقدمونه.

                                                          و(لو) حرف امتناع لامتناع، أي امتنع عليهم الافتداء؛ لأنهم لا يملكون ما في الأرض جميعا.

                                                          ولقد صرح سبحانه بأنه سوء في ابتدائه وانتهائه، فقال تعالى: أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد وسوء الحساب أنه شاق يسوء في نتائجه لا تخفى فيه خافية. بل يحاسبون حسابا عسيرا شديدا في شكله وغايته، وقد ذكره سبحانه وهو الإلقاء في الحميم. و(المأوى) ما يأوي إليه الإنسان يتقي به الحر والبرد، والمأوى الذي يأوون إليه في الآخرة هو جهنم، وهي بئس المهاد، و(المهاد) جمع مهد وهو الفراش الذي يفترشه لينال به الراحة والقرار، ولكنه [ ص: 3928 ] في الآخرة ليس للراحة ولكن للعذاب الدائم (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية