الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 43 ] سورة الأحقاف سأل رجل آخر عن قوله تعالى { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة } فقال : ما سمعنا بنص القرآن والحديث أن ما قبل كتابنا إلا الإنجيل فقال الآخر : عيسى إنما كان تبعا لموسى والإنجيل إنما فيه توسع في الأحكام تيسير مما في التوراة فأنكر عليه رجل وقال : كان لعيسى شرع غير شرع موسى واحتج بقوله : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } قال : فما الحكم في قوله : { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة } ؟ فقال : ليست هذه حجة .

                التالي السابق


                فأجاب شيخ الإسلام رحمه الله قد أخبر الله في القرآن أن عيسى قال لهم : { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } فعلم أنه أحل البعض دون الجميع وأخبر عن المسيح أنه علمه التوراة والإنجيل بقوله : { ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل } ومن المعلوم أنه لولا أنه متبع لبعض ما في التوراة لم يكن تعلمها [ ص: 44 ] له منة ألا ترى أنا نحن لم نؤمر بحفظ التوراة والإنجيل وإن كان كثير من شرائع الكتابين يوافق شريعة القرآن فهذا وغيره يبين ما ذكره علماء المسلمين من أن الإنجيل ليس فيه إلا أحكام قليلة وأكثر الأحكام يتبع فيها ما في التوراة ; وبهذا يحصل التغاير بين الشرعتين .

                ولهذا كان النصارى متفقين على حفظ التوراة وتلاوتها كما يحفظون الإنجيل ; ولهذا لما سمع النجاشي القرآن قال : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة وكذلك ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم - لما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتيه قال هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى .

                وكذلك قالت الجن : { إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى } وقال تعالى : { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } قالوا ساحران تظاهرا أي موسى ومحمد وفي القراءة الأخرى : { سحران تظاهرا } أي التوراة والقرآن .

                وكذلك قال : { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } إلى قوله : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه } فهذا وما أشبهه مما فيه اقتران التوراة بالقرآن وتخصيصها بالذكر يبين ما ذكروه من أن التوراة هي الأصل والإنجيل تبع لها في كثير من الأحكام وإن كان مغايرا لبعضها .

                فلهذا يذكر الإنجيل مع التوراة والقرآن في مثل قوله : { نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل } { من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان } وقال : { وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن } فيذكر الثلاثة تارة ويذكر القرآن مع التوراة وحدها تارة لسر : [ وهو ] أن الإنجيل من وجه أصل ومن وجه تبع ; بخلاف القرآن مع التوراة فإنه أصل من كل وجه بل هو مهيمن على ما بين يديه من الكتاب وإن كان موافقا للتوراة في أصول الدين وكتبه من الشرائع والله أعلم .




                الخدمات العلمية