الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم : حرف يقتضي ثلاثة أمور :

التشريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة ، وفي كل خلاف .

أما التشريك فزعم الكوفيون والأخفش : أنه قد يتخلف ، بأن تقع زائدة ، فلا تكون عاطفة ألبتة ، وخرجوا على ذلك : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم [ التوبة : 118 ] .

وأجيب بأن الجواب فيها مقدر .

[ ص: 490 ] وأما الترتيب والمهلة فخالف قوم في اقتضائها إياهما ، تمسكا بقوله : خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها [ الزمر : 6 ] . وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه [ السجدة : 7 - 9 ] ، وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى [ طه : 82 ] . والاهتداء سابق على ذلك ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ثم آتينا موسى الكتاب [ الأنعام : 153 - 154 ] .

وأجيب : عن الكل بأن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم .

قال ابن هشام : وغير هذا الجواب أنفع منه ، لأنه يصحح الترتيب فقط لا المهلة ، إذ لا تراخي بين الإخبارين . والجواب المصحح لهما ما قيل في الأولى : إن العطف على مقدر ، أي : من نفس واحدة : أنشأها ثم جعل منها زوجها ، وفي الثانية : أن ( سواه ) عطف على الجملة الأولى لا الثانية ، وفي الثالثة أن المراد : ثم دام على الهداية .

فائدة : أجرى الكوفيون ( ثم ) مجرى الفاء والواو ، في جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط ، وخرج عليه قراءة الحسن : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت [ النساء : 100 ] بنصب يدركه .

ثم : بالفتح ، اسم يشار به إلى المكان البعيد ، نحو : وأزلفنا ثم الآخرين [ الشعراء : 64 ] وهو ظرف لا يتصرف ، فلذلك غلط من أعربه مفعولا ل ( رأيت ) في قوله : وإذا رأيت ثم [ الإنسان : 20 ] وقرئ ( فإلينا مرجعهم ثم الله ) [ يونس : 46 ] أي : هنالك الله شهيد ، بدليل : هنالك الولاية لله الحق [ الكهف : 44 ] .

وقال الطبري في قوله : أثم إذا ما وقع آمنتم به [ يونس : 51 ] معناه : هنالك ، وليست ثم العاطفة .

وهذا وهم ، أشبه عليه المضمومة بالمفتوحة .

وفي " التوشيح " لخطاب : ( ثم ) ظرف فيه معنى الإشارة إلى حيث ; لأنه هو في المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية