الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حرف ]

                                                          حرف : الحرف من حروف الهجاء : معروف واحد حروف التهجي . والحرف : الأداة التي تسمى الرابطة لأنها تربط الاسم بالاسم ، والفعل بالفعل ، كعن وعلى ونحوهما ، قال الأزهري : كل كلمة بنيت أداة عارية في الكلام لتفرقة المعاني فاسمها حرف ، وإن كان بناؤها بحرف أو فوق ذلك ، مثل حتى وهل وبل ولعل ، وكل كلمة تقرأ على الوجوه من القرآن تسمى حرفا ، تقول : هذا في حرف ابن مسعود أي في قراءة ابن مسعود . ابن سيده : والحرف القراءة التي تقرأ على أوجه ، وما جاء في الحديث من قوله ، عليه السلام : نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ، أراد بالحرف اللغة . قال أبو عبيد و أبو العباس : نزل على سبع لغات من لغات العرب ، قال : وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه هذا لم يسمع به ، [ ص: 89 ] قال : ولكن يقول هذه اللغات متفرقة في القرآن ، فبعضه بلغة قريش ، وبعضه بلغة أهل اليمن ، وبعضه بلغة هوازن ، وبعضه بلغة هذيل ، وكذلك سائر اللغات ومعانيها في هذا كله واحد ، وقال غيره : وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ، على أنه قد جاء في القرآن ما قد قرئ بسبعة وعشرة ، نحو : ملك يوم الدين ، وعبد الطاغوت ، ومما يبين ذلك قول ابن مسعود : إني قد سمعت القراءة فوجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال وأقبل . قال ابن الأثير : وفيه أقوال غير ذلك ، هذا أحسنها . والحرف في الأصل : الطرف والجانب ، وبه سمي الحرف من حروف الهجاء . وروى الأزهري عن أبي العباس أنه سئل عن قوله نزل القرآن على سبعة أحرف ; فقال : ما هي إلا لغات . قال الأزهري : فأبو العباس النحوي وهو واحد عصره قد ارتضى ما ذهب إليه أبو عبيد واستصوبه ، قال : وهذه السبعة أحرف التي معناها اللغات غير خارجة من الذي كتب في مصاحف المسلمين التي اجتمع عليها السلف المرضيون والخلف المتبعون ، فمن قرأ بحرف ولا يخالف المصحف بزيادة أو نقصان أو تقديم مؤخر أو تأخير مقدم ، وقد قرأ به إمام من أئمة القراء المشتهرين في الأمصار ، فقد قرأ بحرف من الحروف السبعة التي نزل القرآن بها ، ومن قرأ بحرف شاذ يخالف المصحف ، وخالف في ذلك جمهور القراء المعروفين ؛ فهو غير مصيب ، وهذا مذهب أهل العلم الذين هم القدوة ومذهب الراسخين في علم القرآن قديما وحديثا ، وإلى هذا أومأ أبو العباس النحوي وأبو بكر بن الأنباري في كتاب له ألفه في اتباع ما في المصحف الإمام ، ووافقه على ذلك أبو بكر بن مجاهد مقرئ أهل العراق وغيره من الأثبات المتقنين . قال : ولا يجوز عندي غير ما قالوا ، والله تعالى يوفقنا للاتباع ويجنبنا الابتداع . وحرفا الرأس : شقاه . وحرف السفينة والجبل : جانبهما ، والجمع أحرف وحروف وحرفة . شمر : الحرف من الجبل ما نتأ في جنبه منه كهيئة الدكان الصغير أو نحوه . قال : والحرف أيضا في أعلاه ترى له حرفا دقيقا مشفيا على سواء ظهره . الجوهري : حرف كل شيء طرفه وشفيره وحده ، ومنه حرف الجبل وهو أعلاه المحدد . وفي حديث ابن عباس : أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف ; أي على جانب . والحرف من الإبل : النجيبة الماضية التي أنضتها الأسفار ، شبهت بحرف السيف في مضائها ونجائها ودقتها ، وقيل : هي الضامرة الصلبة ، شبهت بحرف الجبل في شدتها وصلابتها ، قال ذو الرمة :


                                                          جمالية حرف سناد ، يشلها وظيف أزج الخطو ريان سهوق



                                                          فلو كان الحرف مهزولا لم يصفها بأنها جمالية سناد ولا أن وظيفها ريان ، وهذا البيت ينقض تفسير من قال ناقة حرف أي مهزولة ، شبهت بحرف كتابة لدقتها وهزالها ، وروي عن ابن عمر أنه قال : الحرف الناقة الضامرة ، وقال الأصمعي : الحرف الناقة المهزولة ; قال الأزهري : قال أبو العباس في تفسير قول كعب بن زهير :


                                                          حرف أخوها أبوها من مهجنة     وعمها خالها قوداء شمليل



                                                          قال : يصف الناقة بالحرف لأنها ضامر ، وتشبه بالحرف من حروف المعجم وهو الألف لدقتها ، وتشبه بحرف الجبل إذا وصفت بالعظم . وأحرفت ناقتي إذا هزلتها ; قال ابن الأعرابي : ولا يقال جمل حرف إنما تخص به الناقة ; وقال خالد بن زهير :


                                                          متى ما تشأ أحملك ، والرأس مائل     على صعبة حرف ، وشيك طمورها



                                                          كنى بالصعبة الحرف عن الداهية الشديدة ، وإن لم يكن هنالك مركوب . وحرف الشيء : ناحيته . وفلان على حرف من أمره أي ناحية منه كأنه ينتظر ويتوقع ، فإن رأى من ناحية ما يحب وإلا مال إلى غيرها . وقال ابن سيده : فلان على حرف من أمره أي ناحية منه إذا رأى شيئا لا يعجبه عدل عنه . وفي التنزيل العزيز : ومن الناس من يعبد الله على حرف أي إذا لم ير ما يحب انقلب على وجهه ، قيل : هو أن يعبده على السراء دون الضراء . وقال الزجاج : على حرف أي على شك ، قال : وحقيقته أنه يعبد الله على حرف ; أي على طريقة في الدين لا يدخل فيه دخول متمكن ، فإن أصابه خير اطمأن به ; أي إن أصابه خصب وكثر ماله وماشيته اطمأن بما أصابه ورضي بدينه ، وإن أصابته فتنة اختبار بجدب وقلة مال انقلب على وجهه ; أي رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان . وروى الأزهري عن أبي الهيثم قال : أما تسميتهم الحرف حرفا فحرف كل شيء ناحيته كحرف الجبل والنهر والسيف وغيره . قال الأزهري : كأن الخير والخصب ناحية والضر والشر والمكروه ناحية أخرى ؛ فهما حرفان وعلى العبد أن يعبد خالقه على حالتي السراء والضراء ، ومن عبد الله على السراء وحدها دون أن يعبده على الضراء يبتليه الله بها ؛ فقد عبده على حرف ، ومن عبده كيفما تصرفت به الحال ، فقد عبده عبادة عبد مقر بأن له خالقا يصرفه كيف يشاء ، وأنه إن امتحنه باللأواء أو أنعم عليه بالسراء ؛ فهو في ذلك عادل أو متفضل غير ظالم ولا متعد له الخير ، وبيده الخير ، ولا خيرة للعبد عليه . وقال ابن عرفة : من يعبد الله على حرف ; أي على غير طمأنينة على أمر أي لا يدخل في الدين دخول متمكن . وحرف عن الشيء يحرف حرفا وانحرف وتحرف واحرورف : عدل . الأزهري . وإذا مال الإنسان عن شيء يقال تحرف وانحرف واحرورف ; وأنشد العجاج في صفة ثور حفر كناسا فقال :


                                                          وإن أصاب عدواء احرورفا     عنها ، وولاها ظلوفا ظلفا



                                                          أي إن أصاب موانع . وعدواء الشيء : موانعه . وتحريف القلم : قطه محرفا . وقلم محرف : عدل بأحد حرفيه عن الآخر ; قال :


                                                          تخال أذنيه إذا تشوفا     خافية أو قلما محرفا



                                                          وتحريف الكلم عن مواضعه : تغييره . والتحريف في القرآن والكلمة : تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه ، كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشباه ، فوصفهم الله [ ص: 90 ] بفعلهم فقال تعالى : يحرفون الكلم عن مواضعه . وقوله في حديث أبي هريرة : آمنت بمحرف القلوب ; هو المزيل أي مميلها ومزيغها ، وهو الله تعالى ، وقال بعضهم : المحرك . وفي حديث ابن مسعود : لا يأتون النساء إلا على حرف ; أي على جنب . والمحرف : الذي ذهب ماله . والمحارف : الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه له والمصدر الحراف : والحرف : الحرمان . الأزهري : ويقال للمحروم الذي قتر عليه رزقه محارف . وجاء في تفسير قوله تعالى : والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم أن السائل هو الذي يسأل الناس ، والمحروم هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم ، وهو محارف . وروى الأزهري عن الشافعي أنه قال : كل من استغنى بكسبه فليس له أن يسأل الصدقة ، وإذا كان لا يبلغ كسبه ما يقيمه وعياله ، فهو الذي ذكره المفسرون أنه المحروم المحارف الذي يحترف بيديه ، قد حرم سهمه من الغنيمة لا يغزو مع المسلمين ، فبقي محروما يعطى من الصدقة ما يسد حرمانه ، والاسم منه الحرفة ، بالضم ، وأما الحرفة فهو اسم من الاحتراف وهو الاكتساب ; يقال : هو يحرف لعياله ويحترف ويقرش ويقترش بمعنى يكتسب من هاهنا وهاهنا ، وقيل : المحارف ، بفتح الراء ، هو المحروم المحدود الذي إذا طلب فلا يرزق أو يكون لا يسعى في الكسب . وفي الصحاح : رجل محارف ، بفتح الراء ، أي محدود محروم وهو خلاف قولك مبارك ; قال الراجز :


                                                          محارف بالشاء والأباعر     مبارك بالقلعي الباتر



                                                          وقد حورف كسب فلان إذا شدد عليه في معاملته وضيق في معاشه كأنه ميل برزقه عنه من الانحراف عن الشيء وهو الميل عنه . وفي حديث ابن مسعود : موت المؤمن بعرق الجبين تبقى عليه البقية من الذنوب فيحارف بها عند الموت ; أي يشدد عليه لتمحص ذنوبه ، وضع وضع المجازاة والمكافأة ، والمعنى أن الشدة التي تعرض له حتى يعرق لها جبينه عند السياق تكون جزاء وكفارة لما بقي عليه من الذنوب ، أو هو من المحارفة وهو التشديد في المعاش . وفي التهذيب : فيحارف بها عند الموت ; أي يقايس بها فتكون كفارة لذنوبه ، ومعنى عرق الجبين شدة السياق . والحرف : الاسم من قولك رجل محارف أي منقوص الحظ لا ينمو له مال ، وكذلك الحرفة ، بالكسر . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : لحرفة أحدهم أشد علي من عيلته ، أي إغناء الفقير وكفاية أمره أيسر علي من إصلاح الفاسد ، وقيل : أراد لعدم حرفة أحدهم والاغتمام لذلك أشد علي من فقره . والمحترف : الصانع . وفلان حريفي أي معاملي . اللحياني : وحرف في ماله حرفة ذهب منه شيء ، وحرفت الشيء عن وجهه حرفا . ويقال : ما لي عن هذا الأمر محرف وما لي عنه مصرف بمعنى واحد أي متنحى ; ومنه قول أبي كبير الهذلي :


                                                          أزهير ، هل عن شيبة من محرف     أم لا خلود لباذل متكلف



                                                          والمحرف : الذي نما ماله وصلح ، والاسم الحرفة . وأحرف الرجل إحرافا فهو محرف إذا نما ماله وصلح . يقال : جاء فلان بالحلق والإحراف إذا جاء بالمال الكثير . والحرفة : الصناعة . وحرفة الرجل : ضيعته أو صنعته . وحرف لأهله واحترف : كسب وطلب واحتال ، وقيل : الاحتراف الاكتساب ، أيا كان . الأزهري : وأحرف إذا استغنى بعد فقر . وأحرف الرجل إذا كد على عياله . وفي حديث عائشة : لما استخلف أبو بكر ، رضي الله عنهما ، قال : لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا ويحترف للمسلمين فيه ; الحرفة : الصناعة وجهة الكسب ; وحريف الرجل : معامله في حرفته ، وأراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم وتثمير مكاسبهم وأرزاقهم ; ومنه الحديث : إني لأرى الرجل يعجبني فأقول : هل له حرفة ؟ فإن قالوا : لا ، سقط من عيني ; وقيل : معنى الحديث الأول هو أن يكون من الحرفة والحرفة ، بالضم والكسر ، ومنه قولهم : حرفة الأدب ، بالكسر . ويقال : لا تحارف أخاك بالسوء أي لا تجازه بسوء صنيعه تقايسه وأحسن إذا أساء واصفح عنه . ابن الأعرابي : أحرف الرجل إذا جازى على خير أو شر ، قال : ومنه الخبر : إن العبد ليحارف عن عمله الخير أو الشر ; أي يجازى . وقولهم في الحديث : سلط عليهم موت طاعون دفيف يحرف القلوب ; أي يميلها ويجعلها على حرف أي جانب وطرف ، ويروى يحوف ، بالواو ، وسنذكره ; ومنه الحديث : ووصف سفيان بكفه فحرفها ; أي أمالها ، والحديث الآخر : وقال بيده فحرفها كأنه يريد القتل ووصف بها قطع السيف بحده . وحرف عينه : كحلها ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          بزرقاوين لم تحرف ، ولما     يصبها عائر بشفير ماق



                                                          أراد لم تحرفا فأقام الواحد مقام الاثنين كما قال أبو ذؤيب :


                                                          نام الخلي ، وبت الليل مشتجرا     كأن عيني فيها الصاب مذبوح



                                                          والمحرف والمحراف : الميل الذي تقاس به الجراحات . والمحرف والمحراف أيضا : المسبار الذي يقاس به الجرح ; قال القطامي يذكر جراحة :


                                                          إذا الطبيب بمحرافيه عالجها     زادت على النقر أو تحريكها ضجما



                                                          ويروى على النفر ، والنفر الورم ، ويقال : خروج الدم ; وقال الهذلي :


                                                          فإن يك عتاب أصاب بسهمه     حشاه فعناه الجوى والمحارف



                                                          والمحارفة : مقايسة الجرح بالمحراف ، وهو الميل الذي تسبر به الجراحات ; وأنشد :


                                                          كما زل عن رأس الشجيج المحارف



                                                          وجمعه محارف ومحاريف ; قال الجعدي :


                                                          ودعوت لهفك بعد فاقرة [ ص: 91 ]     تبدي محارفها عن العظم



                                                          وحارفه : فاخره ، قال ساعدة بن جؤية :


                                                          فإن تك قسر أعقبت من جنيدب     فقد علموا في الغزو كيف نحارف



                                                          والحرف : حب الرشاد ، واحدته حرفة . الأزهري : الحرف حب كالخردل . وقال أبو حنيفة : الحرف ، بالضم ، هو الذي تسميه العامة حب الرشاد . والحرف والحراف : حية مظلم اللون يضرب إلى السواد إذا أخذ الإنسان لم يبق فيه دم إلا خرج . والحرافة : طعم يحرق اللسان والفم . وبصل حريف : يحرق الفم وله حرارة ، وقيل : كل طعام يحرق فم آكله بحرارة مذاقه حريف ، بالتشديد ، للذي يلذع اللسان بحرافته ، وكذلك بصل حريف ، قال : ولا يقال حريف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية