الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 129 ] جماع أبواب سيرته في كلامه وتحريكه يده حين يتكلم ، أو يتعجب ، ونكشه الأرض بعود ، وتشبيكه أصابعه ، وتسبيحه ، وتحريكه رأسه ، وعض شفتيه ، وضربه بيده على فخذه عند التعجب صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول

                                                                                                                                                                                                                              في صفة كلامه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              النوع الأول : في ترتله .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود ، وابن سعد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيلا أو ترسيلا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي ، وابن سعد ، والشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا ، ولكنه كان يتكلم بكلام فصل ، يحفظه من يجلس إليه ، لو عده العاد لأحصاه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عنها قالت : كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا ، يفهمه كل من يسمعه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الخلعي عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم نزرا ، وأنتم تنثرون الكلام نثرا .

                                                                                                                                                                                                                              النوع الثاني : في إعادته صلى الله عليه وسلم الكلمة ثلاثا لتعقل .

                                                                                                                                                                                                                              وصح عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث حديثا أعاده ثلاث مرات .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثا ، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 130 ] وروى أبو سعد النيسابوري في شرف النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث بالحديث ، أو سئل عنه كرره ثلاثا ليفهم عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر الشافعي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                              النوع الثالث : في تبسمه صلى الله عليه وسلم في حديثه .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث حديثا إلا وهو يتبسم في حديثه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري وابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم يرى كالنور من بين ثناياه .

                                                                                                                                                                                                                              النوع الرابع : في رفعه صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء إذا حدث .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود وقاسم بن إصبع ، وبقي بن مخلد ، عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حدث -وفي لفظ : إذا جلس يتحدث- يكبر ويرفع طرفه إلى السماء .

                                                                                                                                                                                                                              النوع الخامس : في طول صمته ، وقلة تكلمه لغير حاجة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وأبو الشيخ والبيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكت ، يفتتح الكلام ، ويختتمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلم ، فصلا لا فضول فيه ، ولا تقصير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحارث بن أبي أسامة والبيهقي عن أم معبد رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صمت فعليه الوقار ، وإذا تكلم سماه وعلاه البهاء ، كان حسن المنطق .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو بكر الشافعي عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الصمت ، وفي لفظ : طويل الصمت .

                                                                                                                                                                                                                              النوع السادس : في كنايته صلى الله عليه وسلم عما يستقبح ذكره .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة رفاعة القرظي جاءت [ ص: 131 ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن رفاعة طلقني ، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنما معه مثل الهدبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ! لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» .

                                                                                                                                                                                                                              النوع السابع : في قوله صلى الله عليه وسلم مرحبا .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري في الأدب عن علي رضي الله تعالى عنه قال : استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فعرف صوته ، فقال : «مرحبا بالطيب المطيب» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى فيه أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : أقبلت فاطمة رضي الله تعالى عنها تمشي-مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال : «مرحبا» ، ثم أجلسها عن يمينه ، أو عن شماله .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية